إميل أمين يكتب: عن الأزمة المالية الأمريكية

  • 9/25/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل الولايات المتحدة الأمريكية على عتبات أزمة مالية خانقة يمكن أن تؤدي بها إلى مزالق التهلكة الإمبراطورية، لا سيما إذا نفذت منها الأموال، وأضحت غير قادرة على سداد ديونها؟. لا يبدو هذا التساؤل مزعجا فقط للأمريكيين، بل لبقية اقتصادات العالم الكبرى، إذ لا تزال واشنطن القاطرة الاقتصادية التي تقود حركة الاقتصاد العالمي، وعليه فأي تغيرات جذرية تطرأ على أوضاعها المالية، سلبا أو إيجابا، فإنها تؤثر على بقية التوازنات المالية العالمية. نهار الأحد الفائت ناشدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الكونجرس، رفع سقف الدين لتجنب “أزمة مالية تاريخية”، وفي مقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، أشارت  يلين إلى أن الولايات المتحدة لطالما رفعت سقف الدين قبل تجاوز حده الأقصى، وقالت إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخلف عن سداد ديونها قط ولا مرة واحدة. ما الذي يجري في الداخل الأمريكي ماليا؟. تبدو واشنطن وكأنها تعيد سيرة الإمبراطوريات الغابرة عبر الزمان، ذلك أن القوى التاريخية عادة ما تبدأ تطلعاتها وتوسعاتها حول العالم، وذلك بعد أن تتوافر لها سيولة مالية  فائضة عن حاجتها في الداخل، لتبدأ في بسط سيطرتها على الخارج. على أنه ومع مرور العقود تبدأ القواعد البعيدة تستنزف اقتصاديات الداخل، وبخاصة مع ظهور قوى قطبية أخرى تشارعها وتنازعها، كما الحال اليوم مع الصين، لتطفو على  السطح إشكالية تقليدية تعرف بـ “ضريبة فرط الامتداد الإمبراطوري”، وهذه تؤدي في نهاية الأمر إلى العودة للداخل من جديد، مع فاتورة هائلة من الأكلاف في شكل ديون، وربما من غير مقدرة على  السداد، ومن هنا تظهر علامات الشيخوخة على القوى التي كانت كبرى وتبدأ في طريق الانحدار، لا سيما إذا عجزت عن سداد ديونها، أو توقفت عن دفع ما يسمى بخدمة الدين. هل تعيش الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرحلة في الأوقات الراهنة؟. يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فهناك أزمة مالية تبدو في الأفق الأمريكي وحتى قبل أن تغالب أزمة جائحة كوفيد-19 المستجد السلطات المعنية صحيا وماليا، فقد واجهت أمريكا عجزا بنحو تريليون دولار عام 2019، وارتفع ليصل إلى  أكثر من 3 تريليونات دولار عام 2020، وواصل الارتفاع في العام الحالي. على أن الناظر إلى توقعات صندوق النقد الدولي لحال ومآل  الدين الأمريكي، يدرك حتمية ارتفاعه إلى أكثر من 30 تريليون دولار خلال الأعوام القليلة القادمة، أي ما يعادل 3 أضعاف مستواه عام 2010. تتمثل الأزمة في أن ديون الحكومة الأمريكية يتوقع أن تصل في منتصف أكتوبر تشرين أول القادم إلى  28.5 تريليون دولار، فيما يحظر سقف الدين الحالي، ما لم يتم رفعه، استدانة  أكثر من الحد الأقصى البالغ 28.4 تريليون دولار. هل سبق للولايات المتحدة رفع سقف الدين من قبل؟ الشاهد أن ذلك حدث عوض المرة، ثمانين مرة منذ ستينات القرن الماضي، وما لم يبادر الكونجرس الأمريكي برفع سقف الدين في الأيام القليلة المتبقية، فإن تحذير وزارة الخزانة الأمريكية من أن أموال الحكومة ستنفذ الشهر القادم سوف تكون محل تحقق، وهذه كارثة مالية عالمية وليست أمريكية فقط. في هذا السياق ترى جانيت بلين، أن نفاد الأموال من الخزينة من شأنه أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية. في الماضي، تجنبت الولايات المتحدة التخلف عن السداد في ظل الخلافات التي كانت تؤدي إلى تأثيرات قصيرة الأجل  على الاقتصاد من حيث يستمر عمل الدوائر الحكومية، ويتلقى  الموظفون أجورهم بمجرد إبرام الصفقة السياسية. ولكن إذا ساءت الأمور واستمرت أزمة سقف الديون، وما يترتب عليها  من تخلف عن السداد، سيكون لذلك عواقب وخيمة في الولايات المتحدة والعالم. من بين تلك العواقب وبحسب يلين، رفع معدلات الفائدة، وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد، وغير ذلك من الاضطرابات المالية. هل الولايات المتحدة الأمريكية مرشحة للغرق في المزيد من الفوضى المالية؟. في تقرير مثير لوكالة الأنباء الفرنسية، نجد حديثا عن رؤية بعض خبراء الاقتصاد إلى نظرية عرفت باسم “النظرية النقدية  الحديثة”، ومضمونها أنه طالما ظلت أسعار الفائدة منخفضة، يمكن للحكومة الأمريكية أن تنفق وتقترض تريليونات الدولارات دون أن تتكبد خسائر، بل يمكنها مراكمة ثروتها. هذه الفكرة وجدت من يرد عليها في صحيفة “ذا هيل”، فقد قال الكاتب ستيفن مور، إنه بالرغم من سخافة هذه الفكرة التي تشبه القول بأن الأرض مسطحة لا كروية، فإن الرئيس الحالي جو بايدن قرر الإعتماد عليها كسياسة مالية في فترة رئاسته، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة تغرق في المزيد من الديون خلال  السنوات القادمة. ما الذي يقوم به بايدن على وجه التحديد؟. خذ إليك على سبيل المثال، فقد رصدت الإدارة الأمريكية الجديدة 6 تريليونات دولار كنفقات ضمن ميزانيتها، وقد ترتفع  إلى 8 تريليونات دولار، ومن المنتظر إقرار ضريبة قدرها  تريليوني دولار على الأثرياء، كما يتوقع أن يرتفع حجم الديون إلى  7.6 تريليونات دولار، وهو أكثر من الديون التي تراكمت على الرؤساء الأربعة السابقين. الذين يوجهون سهام النقد المالي لإدارة بايدن يضعون أرقاما  مخيفة في الطريق، لا سيما بعد زيادة العجز التجاري خلال الفترة الماضية بـ 5 تريليونات دولار أنفقتها الحكومة في مكافحة أزمة كوفيد 19. مسيرة بايدن الاقتصادية وعوضا عن البحث على أفضل السبل  للتخلص من الديون، ترفع بتصرفاتها نصيب كل طفل أمريكي يولد إلى 150 ألف دولار من الدين العام قبل أن يرى النور…. هل أزمة الديون الأمريكية قاتلة؟

مشاركة :