لبنان: الانتخابات النيابية بين التزوير والتعطيل!

  • 10/7/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يصادر الرئيس ميشال عون لجنة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وكالة عن «حزب الله»، ويغيب «اتفاق» المتسلطين على أرقام الخسائر في القطاعين المصرفي والمالي، وكيفية توزيعها، فيما يستمر توافقهم مع الكارتل المصرفي على «هيركات» يكبد صغار المودعين ثمن المنهبة... وعندما يُرغم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على التراجع عن تشكيل «الهيئة الناظمة» للكهرباء، وتُستأنف سياسة السطو على المتبقي من الودائع، والذريعة تمويل شراء الفيول، فيستمر النهب وتتسع العتمة، يبدو مسار حكومة «الثورة المضادة»، كأنها «نيو» حكومة دياب، أشبه بإدارة رئاسة اتحاد بلديات، فلا يبقى بين يدي رئيس الحكومة إلا الرهان على الانتخابات، اعتقاداً منه أنها ستكرسه شخصية محورية، وستمنحه فرصة الإقامة المفتوحة في السراي الحكومي! قال ميقاتي إن الانتخابات «استحقاق دستوري» لا يمكن تجاوزه، وتناول البيان الوزاري للحكومة الانتخابات لجهة التزام إجرائها! طبعاً هذا التأكيد على التزام الانتخابات في لبنان لأنها استحقاق دستوري أمر يدخل في باب الكوميديا السوداء، فالداخل يعرف - كما الخارج - أن المنظومة السياسية المتحكمة تدير البلد بالبدع والتوافقات اللادستورية، وما من طرفٍ يتذكر الدستور إلا إذا كان مأزوماً! بعد العام 2005، تم تعطيل الاستحقاقات الدستورية، فعاش لبنان فراغاً رئاسياً عدة أشهر إثر انتهاء ولاية إميل لحود في العام 2008، استمر إلى ما بعد احتلال «حزب الله» لبيروت في 7 مايو، وانتزاعه مكاسب سياسية في مؤتمر الدوحة! وفي العام 2013، تم التمديد لمجلس النواب 5 سنوات من دون سبب مقنع. وفي العام 2014، منع «حزب الله» انتخاب رئيس للجمهورية طيلة 30 شهراً، حتى فرض مرشحه ميشال عون رئيساً! وفي آخر 10 سنوات، عاش لبنان نحو 4 سنوات من دون حكومة، وكلهم تناوبوا على تعطيل الدستور! توافقوا على تقريب موعد الانتخابات إلى 27 مارس (آذار)؛ أي بعد نحو 6 أشهر فقط من الآن، حددوا الموعد، وبقي ضمان النتائج لتكون الانتخابات من عدمها! وتوافقوا على أن الأنسب للطبقة السياسية الدفع إلى تقليل نسبة الاقتراع، فاختاروا التوقيت قبل 30 مارس، بحيث تخلو لوائح الشطب من أسماء عشرات ألوف الشباب ممن بلغوا سن الاقتراع، لأنهم فئة غير مضمونة، وتوافقوا على استبعاد المغتربين. استبعدوا الشباب لسبب تقني، واستبعدوا المغتربين لسبب مادي ولوجيستي، خوفاً من كثافة التصويت العقابي! بالمبدأ وجهوا رسالة تطمين إلى المجتمع الدولي بالتزام موعد الانتخابات، والأمر مطلب أطراف في المنظومة السياسية تعتقد أنها ستمكنها من استعادة شرعية شعبية أسقطتها «17 تشرين»، وأنها الفرصة لترميم الوضع والسمعة السياسية، بالاستفادة مما يرونه حالة مراوحة تشرينية ظاهرة. كما يراهنون على التداعيات السلبية على الناس، وكلهم ثقة بنجاح رعاية حكومة «الثورة المضادة» حملة استهداف الحقيقة والعدالة، وشخص قاضي التحقيق في جريمة تفجير المرفأ. والثابت أنهم إثر سقوط دعاوى كف يد قاضي التحقيق، لن يتراجعوا عن مخطط كسر تجرؤ قاضٍ شجاعٍ على الادعاء على المنظومة السياسية والأمنية لتجريمها بالجناية، والأكيد لن يتهاونوا حيال تحويل رموز ووجوه منهم إلى حالات مرذولة شعبياً! لكن الأسباب الموجبة لذهاب أوساط من المنظومة السياسية إلى الانتخابات ليست نفسها لدى «حزب الله» الذي يمتلك اليوم أكثرية نيابية من 72 نائباً، لذلك من المبكر القول إن إجراء الانتخابات بات محسوماً، خصوصاً أن نتائجها ستتحكم في الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام 2022. والحزب الممسك بالقرار العسكري والسياسي، ولا قرار اقتصادياً من دون رأيه، يضع كل العملية تحت مظلة مشروع هيمنة النظام الإيراني. لذلك مطلبه الاستحواذ على أكثرية تتيح له «انتخاب» خلف لعون، يكمل المرحلة العونية التي أطلقت يده في الملفات، فبات فوق المؤسسات، علاوة على التزام القصر الدفاع المستمر عن دوره وسلاحه! عندما يعلن الجنرال الإيراني غلام علي رشيد، قائد «مقر خاتم الأنبياء»، أن لإيران 6 جيوش في المنطقة، منها «حزب الله»، هي بمثابة أحزمة أمنية، وأنها «القوة الرادعة أمام الاعتداءات على إيران، في حال أراد العدو استهداف نظام الجمهورية الإسلامية، فعليه أن يواجه هذه الجيوش»... وعندما يعلن الشيخ نعيم قاسم «أن المقاومة ليست موجودة بفعل الظرف، بل بفعل المبدأ»، ويضيف: «لا مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، على أهميتها، كانت السبب الوحيد لتأسيس (حزب الله)، ولا سلاح المقاومة مرتبط فقط بمواجهة أي اعتداء إسرائيلي، ولا نزعه متوقف على امتلاك الدولة للقوة، ولا حتى استعادة القدس؛ إنه سلاح الولاية»... يصبح من المستحيل أن يسمح «حزب الله» بالانتخابات ما لم يضمن مسبقاً حصوله على الأكثرية المطلقة، وليس مهماً كيف وبأي طريقة. إن السيطرة على البرلمان أمر بمثابة «القفل والمفتاح» للتحكم في البلد، ومن دونها ستُخلط الأوراق، وصولاً إلى العودة لوضع مصير سلاحه على الطاولة مهما عاند وكابر! يعرف «حزب الله» أنه في الانتخابات الأخيرة في العام 2018، رغم قانون الانتخاب المتصادم مع الدستور، والصوت التفضيلي الذي مذهب الانتخابات، أنه بالكاد تمكن من اقتناص الأكثرية، مستفيداً من ارتفاع نسبة المقاطعة. إنه يعرف جيداً دلالات الأرقام، إذ يشير جان عزيز، المستشار السابق لرئيس الجمهورية، إلى أن الفوز في 19 مقعداً في آخر انتخابات تم بنسب لم تتجاوز الـ500 صوت، ومن دون ذلك ما تأمنت الأكثرية. بعد «ثورة تشرين»، وما أدخلته على الوعي العام، وترسخ القناعة الشعبية بأن للمواطنين حقوقاً على الطبقة السياسية، وأنه «كلن يعني كلن» يجب أن يسددوا الحساب، وفي ضوء استطلاعات الرأي الكثيرة، فإنه من الصعب الاحتفاظ بهذه المقاعد. أما لو حدث وأتيح للمغتربين الذين نُهبت ودائعهم بعدما خُدعوا بسياسة عنوانها «الليرة بخير»، فإن مشهد برلمان العام 2022 سينقلب في غير صالحه لأن التصويت العقابي سيضخ مئات ألوف الأصوات لمصلحة التغيير، وكثافة الاقتراع ستبطل سلاح التزوير المتوقع! وتقول أوساط مقربة من الحزب إنه يكفي خسارة 10 مقاعد لتتعطل هذه الأكثرية، ما قد يعني تراجع قدرته على إملاء الشروط، ولكنه سيحتفظ بالقدرة على التعطيل! يقول المثل اللبناني «لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة»، وليس «أوحش» من احتمال فقدان الأكثرية النيابية التي تغطي الفساد وتغيير هوية البلد! هذا ما يدور في خلد أصحاب القرار، لذلك من غير المستبعد افتعال عقبات حول قانون الانتخاب، وكذلك حول حق المغتربين في الاقتراع، فتتقدم ذرائع التمديد للبرلمان الحالي المنقوص العدد بفعل الاستقالات والوفيات. وإن تقدمت الفتاوى بعدم جواز أن ينتخب هذا البرلمان الرئيس الجديد، فالأرجح حينذاك تمسك عون بالبقاء في القصر بشكل لا دستوري، وفق مقولة إنه لا يجوز أن يشغر الموقع الدستوري الأول والموقع الماروني الأول! وهنا يطول الحديث لأن التداعيات ستتلاحق!

مشاركة :