الإسلام يحترم «الآخر» ويصون حقوقه

  • 10/30/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً‮ ‬من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله‮.‬ خصوم الإسلام لم‮ ‬يتوقفوا‮ ‬يوماً‮ ‬عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه،‮ ‬وتشويه صورته،‮ ‬وصرف الناس عنه‮.‬ افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية،‮ ‬وقيمه الفاضلة،‮ ‬وغاياته النبيلة‮. ‬كما تكشف عن حقد دفين‮ ‬يستهدف الإساءة للدين وأهله،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم،‮ ‬وكشف زيفها‮. ‬ من تلك الشبهات والمزاعم الادعاء بأن تعاليم الإسلام ترفض الآخر،‮ ‬ولا تعترف به،‮ ‬وتناهض فكره،‮ ‬وتستبعد تراثه الثقافي‮.‬ ‮ ‬فما هي‮ ‬حقائق الإسلام التي‮ ‬تدحض تلك الشبهة،‮ ‬وتسقط ذلك الزعم،‮ ‬وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟ يؤكد‮ ‬الدكتور تيسير رجب التميمي‮ ‬قاضي‮ ‬قضاة فلسطين،‮ ‬رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي‮ ‬سابقاً،‮ ‬أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس أن الفهم العميق لتعاليم الإسلام ومبادئه وحقائقه‮ ‬يظهر أن من أهم أهدافه قبول الآخر،‮ ‬واحترام فكره،‮ ‬وتراثه الثقافي‮ ‬بغض النظر عن دينه‮.‬ بر وإقساط ويقول‮: ‬ينبغي‮ ‬أن ندرك حقيقة أن الدعوة إلى دين الله عز وجل تقوم على اتباع الحكمة والموعظة الحسنة والمخاطبة بالرفق واللين مع‮ ‬غير المسلمين‮.. ‬قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم‮: ‬ادْعُ‮ ‬إِلِى سَبِيلِ‮ ‬رَبِّكَ‮ ‬بِالْحِكْمَةِ‮ ‬وَالْمَوْعِظَةِ‮ ‬الْحَسَنَةِ‮ ‬وَجَادِلْهُم بِالَّتِي‮ ‬هِيَ‮ ‬أَحْسَنُ‮ ‬إِنَّ‮ ‬رَبَّكَ‮ ‬هُوَ‮ ‬أَعْلَمُ‮ ‬بِمَن ضَلَّ‮ ‬عَن سَبِيلِهِ‮ ‬وَهُوَ‮ ‬أَعْلَمُ‮ ‬بِالْمُهْتَدِينَ‮.. (‬سورة النحل‮: 521). ‬وقد أمر الله رسوله موسى وأخاه هارون عليهما السلام بالرفق واللين مع فرعون،‮ ‬فقال تعالى‮: ‬اذْهَبَا إِلى فِرْعَوْنَ‮ ‬إِنَّهُ‮ ‬طَغَى‮ ‬،‮ ‬فَقُولَا لَهُ‮ ‬قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ‮ ‬يَتَذَكَّرُ‮ ‬أَوْ‮ ‬يَخْشَى‮.. (‬سورة طه‮) ‬43‮ - ‬44: فالرفق مع الآخر من الصفات التي دعا إليها الإسلام وحبب فيها‮.. ‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬إن الله رفيق‮ ‬يحب الرفق في الأمر كله‮.. (‬رواه البخاري‮).‬ ويحدد القرآن الكريم علاقة المسلمين مع الآخر‮ ‬غير المسلم بقوله تعالى‮: ‬لا‮ ‬يَنْهَاكُمُ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬عَنِ‮ ‬الَّذِينَ‮ ‬لَمْ‮ ‬يُقَاتِلُوكُمْ‮ ‬فِي‮ ‬الدِّينِ‮ ‬وَلَمْ‮ ‬يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ‮ ‬أَن تَبَرُّوهُمْ‮ ‬وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ‮ ‬إِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬يُحِبُّ‮ ‬الْمُقْسِطِين‮.. (‬سورة الممتحنة:8).‮ ‮ ‬فالعلاقة وفقاً لهذه الآية الكريمة تقوم على البر بهم والإقساط إليهم‮.. ‬والبر‮ ‬يكون بأن تعطى لهم حقوقهم كاملة دون إنقاص،‮ ‬والإقساط إليهم‮ ‬يكون بأن‮ ‬يُعطوا زيادة على حقوقهم اختياراً وكرما‮ً.‬ كرامة مصانة ويمضي‮ ‬د‮. ‬تيسير التميمي مؤكداً أن أهل الكتاب لهم نظرة خاصة،‮ ‬ومكانة خاصة،‮ ‬ومعاملة خاصة في الإسلام‮.‬ ويضيف‮: ‬إن عاش أهل الكتاب مواطنين في دولة الإسلام فلهم حقوق لابد من المحافظة عليها،‮ ‬فيحرم إكراههم على ترك دينهم،‮ ‬ويجب ضمان حريتهم في ممارسة عباداتهم،‮ ‬وتوفير الحماية لهم،‮ ‬ولأماكن عبادتهم،‮ ‬فها هو الخليفة العادل عمر بن الخطاب،‮ ‬رضي‮ ‬الله عنه،‮ ‬يمتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة عندما ذهب إلى بيت المقدس فاتحاً في السنة الخامسة عشرة للهجرة حتى لا‮ ‬يتخذها المسلمون من بعده مسجدا‮ً.‬ ويجب أيضاً أن تصان كرامتهم،‮ ‬وأن توفر لهم فرصة محاورة المسلمين ومناقشتهم ومناظرتهم في إطار أدب الحوار،‮ ‬والبعد عن العنف‮.. ‬قال تعالى‮: ‬وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ‮ ‬الْكِتَابِ‮ ‬إِلَّا بِالَّتِي‮ ‬هِيَ‮ ‬أَحْسَنُ‮ ‬إلا الَّذِينَ‮ ‬ظَلَمُوا مِنْهُمْ‮ ‬وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي‮ ‬أُنزِلَ‮ ‬إِلَيْنَا وَأُنزِلَ‮ ‬إِلَيْكُمْ‮ ‬وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ‮ ‬وَاحِدٌ‮ ‬وَنَحْنُ‮ ‬لَهُ‮ ‬مُسْلِمُونَ‮.. (‬سورة العنكبوت:46). وأباح الإسلام إقامة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية معهم،‮ ‬فرسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند‮ ‬يهودي‮.‬ ‮ ‬كما أباح الإسلام مصاهرتهم والأكل من ذبائحهم‮.. ‬قال تعالى‮: ‬الْيَوْمَ‮ ‬أُحِلَّ‮ ‬لَكُمُ‮ ‬الطَّيِّبَاتُ‮ ‬وَطَعَامُ‮ ‬الَّذِينَ‮ ‬أُوتُواْ‮ ‬الْكِتَابَ‮ ‬حِلٌّ‮ ‬لَّكُمْ‮ ‬وَطَعَامُكُمْ‮ ‬حِلُّ‮ ‬لَّهُمْ‮ ‬وَالْمُحْصَنَاتُ‮ ‬مِنَ‮ ‬الْمُؤْمِنَاتِ‮ ‬وَالْمُحْصَنَاتُ‮ ‬مِنَ‮ ‬الَّذِينَ‮ ‬أُوتُواْ‮ ‬الْكِتَابَ‮ ‬مِن قَبْلِكُمْ‮.. (‬سورة المائدة‮:5). واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإساءة إليهم أو إنقاص حقوقهم أمراً محرماً،‮ ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: ‬ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه‮ ‬يوم القيامة‮.. (‬رواه أبو داود‮).‬ مجتمع إنساني‮ ‬متسامح ‮ ‬ويضيف د‮. ‬التميمي أن التسامح الإسلامي في التعامل مع الآخر،‮ ‬وحسن المعاملة،‮ ‬ومجانبة التعصب من أهم أسرار انتشار الإسلام السريع بين الناس،‮ ‬ودخولهم في دين الله أفواجاً،‮ ‬فقد أرسى هذا الدين أسساً واتبع خطوات‮ ‬غير مسبوقة أسهمت في‮ ‬بناء مجتمع إنساني كان فيه المرء المتسامح طبيباً معالجاً لمشاكل الناس وهمومهم،‮ ‬وبلسماً شافياً لآلام نفوسهم‮.‬ ‮ ‬ويشير إلى أن التسامح بين البشر على مستوى الأفراد والجماعات من سمات هذا الدين،‮ ‬لكن دون استسلام للشر،‮ ‬أو تمكين للظالمين،‮ ‬ما‮ ‬يؤدي إلى علاقات إنسانية ودية تقوم على الاحترام،‮ ‬ودفع العداوة بالتي هي أحسن،‮ ‬لجلب المحبة بين الناس،‮ ‬والصفح الجميل،‮ ‬والاكتفاء بالعقاب المقتصر على أخذ الحق من‮ ‬غير اعتداء‮.‬ ‮ ‬ويختتم الشيخ تيسير التميمي كلامه قائلا‮ً: ‬إن الإسلام دين عالمي موجه إلى الناس جميعاً،‮ ‬لتحقيق رابطة إنسانية كونية واحدة تسودها المساواة،‮ ‬وتذوب فيها الفوارق بين الناس،‮ ‬وتلغى كل مظاهر التفرقة،‮ ‬وتهدف إلى تجميع الطاقات،‮ ‬وتضافر الجهود،‮ ‬وتقوم على الاعتراف بالآخر،‮ ‬وثقافته،‮ ‬وحضارته،‮ ‬وتدعو إلى محاورته‮.‬ ‮ ‬والإسلام دين‮ ‬يدعو إلى توثيق علاقات التعارف بين جميع الأفراد والشعوب،‮ ‬وإلى التعاون الذي‮ ‬يؤدي إلى تحقيق خير البشرية وتقدمها الحضاري‮ ‬والعلمي،‮ ‬وقد بلغ‮ ‬التعارف بين أبناء البشر بظهور الإسلام مستوى لا نظير له‮.. ‬قال تعالى‮: ‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ‮ ‬ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ‮ ‬وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ‮ ‬شُعُوبًا وَقَبَائِلَ‮ ‬لِتَعَارَفُوا‮.. (‬سورة الحجرات:13). ‮ ‬وقد اعتبر الإسلام الآخر جزءاً من المجتمع المسلم،‮ ‬يتمتع بالحقوق،‮ ‬ويتحمل المسؤوليات،‮ ‬وأرسى قواعد للتعايش معه في شتى أنواع التعامل‮.‬

مشاركة :