منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله. خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه. افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها. ومن تلك الشبهات والمزاعم الادعاء بأن تعاليم الإسلام لم تتضمن من القيم والأسس والمبادئ والحقوق التربوية للطفل ما يضمن إطلاق طاقاته في شبابه نحو تحصيل مختلف العلوم، والمشاركة في تحقيق التقدم والنهضة. * فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهة، وتسقط ذلك الزعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟ - يؤكد الدكتور محمود أحمد شوق أستاذ التربية بالجامعات المصرية والعربية أن الإسلام فرض للطفل حقوقاً تكفل له التربية السليمة التي هي أساس تقدم الأمم، وعماد نهضتها، مشيراً إلى أن الصراع بين الأمم اليوم أصبح صراعاً تربوياً بالدرجة الأولى، وارتبط التقدم العلمي والتقني الذي تحرزه بكفاءة القوى البشرية فيها، وبما يتوافر لديها من مهارات علمية وتقنية. ويجزم بأن الدول التي تملك ناصية التقدم العلمي والتقني المعاصر في الشرق والغرب قد أسسته على سبق تربوي على غيرها من الدول التي لم تستطع اللحاق بها. ويقول: إن تاريخ الأمة الإسلامية يؤكد سبقها العلمي والتقني في سنين مضت، ومن ثم فإن أقل ما نتوقعه اليوم أن تسهم الدول الإسلامية في قيادة هذا التقدم في الوقت الحاضر. توازن واعتدال ويشدد الدكتور شوق على أنه في مقدمة الحقوق التربوية التي كفلها الإسلام للطفل أن تكون تربيته تربية إسلامية صحيحة، تستمد مقوماتها من حقائق الدين الداعية إلى السلام، والأمان، والتعاون، والمحبة، والبناء. ويوضح أن التربية الإسلامية تتميز بأنها تشمل الحياتين الدنيا والآخرة في توازن واعتدال.. قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. (سورة الأنعام: 162) والتربية الإسلامية تتميز أيضاً بأنها تعين المسلم على التعرف إلى ثوابت الدين وتفهمها وتطبيقها في حياته. ويشير إلى أنه من حقوق الطفل التربوية أن تركز عملية التربية على طبيعته ووظيفته، ذلك أن طبيعة المتعلم ووظيفته في الحياة من أهم الاعتبارات التي ينبغي أن يهتم بها التربويون في عملية تنشئة الأجيال الجديدة. ومن أهم جوانب طبيعة الإنسان في الإسلام أنه مفطور على التوحيد، وأن البيئة المحيطة به هي التي قد توجه هذه الفطرة وجهة أخرى، ومن ثم فمن حق الطفل أن تحافظ تربيته على فطرته السليمة. ومن طبيعة الإنسان أنه مكرم من عند الله، ومن ثم فمن حق الطفل المسلم أن تدعم تربيته هذا التكريم، وأن تعرفه به، وتنشئه عليه.. قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.. (سورة الإسراء:07). ولا يخفى أن الطفل لديه استعداد لكل من الخير والشر، ومن ثم ينبغي أن تعمل التربية على تنمية الاستعدادات الخيّرة لدى الطفل، وأن تستشرف مكامن الخطر، وتعمل على التوقي منها وسرعة علاجها. خصائص العلم في الإسلام ويوضح الدكتور شوق أن للعلم في الإسلام خصائص ينبغي أن تقدمها المناهج الدراسية للأطفال، بحيث تكون هذه الخصائص جزءاً من معارف هؤلاء الأطفال وخبراتهم، كما توجه سلوكهم في حياتهم، ففي إحياء هذه الخصائص بعث للنهضة العلمية في الأجيال المسلمة. ومن واجبنا أن نعرف الطفل المسلم أن طلبه العلم ليس ترفاً له فيه الاختيار، وإنما هو فرض واجب الأداء، وأن تحصيل العلم عبادة طالما روعيت فيه حدود الله في الاكتساب والتطبيق، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وأن العلم كله من عند الله حتى في حال اكتشافه بواسطة البشر. إن مثل هذه المفاهيم تدفع الطفل إلى الاستزادة من العلم، والحرص على تحصيله، وهذه هي البداية الطبيعية لتربية العلماء، وهذه من أهم الطرق الفعالة في النهوض بالمجتمع والأمة. ويؤكد الدكتور شوق أن انطلاق الأمة يتوقف على تربية أبنائها تربية إسلامية، وحمايتهم من التلوث الثقافي الذي يتعرضون له من البث المباشر، وغيره من الوسائط. ويقول: لقد أثبتت الدراسات والبحوث أن مناهج الدراسة في المعاهد التربوية في عالمنا الإسلامي تحتاج إلى إعادة توجيهها توجيهاً إسلامياً وتنقيتها مما لحق بها من تلوث. ويتوقف الدكتور شوق أمام قضية مهمة بقوله: إن من أهم حقوق الطفل التربوية في الإسلام أن تعده المناهج الدراسية لإقامة المجتمع المسلم والمحافظة عليه، مشدداً على أن المجتمع المسلم مجتمع عالمي يتسع للبشر كلهم من دون تمييز بين فرد وآخر لأي سبب من الأسباب. ففي المجتمع المسلم لا جنس ولا لون ولا مال ولا نسب ولا انتماء إلى موقع جغرافي أو طبقة اجتماعية ولا تقديم لشخص على آخر في الإسلام، ولكن التقوى وحدها هي ميزان الفضل بين الناس. ومن أهم مقومات المجتمع المسلم عقيدة التوحيد، والعدل بين الناس، وتعاون أفراده ومؤسساته، والتكافل الاجتماعي، والكدح في سبيل تنميته تنمية مستمرة تعتمد على معطيات العصر في العلم والتقنية. وبناء على هذه المقومات تتوافر في هذا المجتمع العدالة القانونية، فالجميع أمام الشرع سواء، وكذلك العدالة الاجتماعية، حيث يعمل كل بقدر طاقته مع التضامن الاجتماعي بين الأفراد والمؤسسات، والمحافظة على الملكية العامة، واستثمارها للصالح العام، وكفالة حقوق المحتاجين والمعوزين في أموال القادرين. د. محمود أحمد شوق
مشاركة :