ترجّل فارس الدبلوماسية العمانية وانقطع النبأ (1)

  • 10/9/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سالم العبري تأخر المرسوم والوصول عاماً ونيفاً عن أن يُفرش السجاد الأحمر في ساحة قصر القبة، ولتطاول قامته قامة الأمة الممثلة في جمال عبد الناصر كأول سفير لعُمان بقاهرة الوحدة، ورأس الأمة قاهرة المعز وجمال عبد الناصر.. لكنا اليوم نسترجع صوره بتلك المناسبة لنرى الشيخ الفقيد سعود بن علي بن عبد الله الخليلي قامة تتناسب مع قامة وطموح وزعامة جمال عبد الناصر، كما رأيناها كذلك مع قامة الشيخ طالب بن علي بن هلال الهنائي وهو يتسابق سمواً للسماء مع بطل الأمة وزعيمها عبد الناصر. لقد صافحت يد الخليلي آيادي الأمّة كلها؛ لأنَّ يدَ الزعيم لا تحد بمكان أو زمان؛ بل هي "كلٌ" من المحيط إلى الخليج، وهل من الصدفة أن يوارى الثرى الزعيمان يوم الخميس وفي الثلاثين من سبتمبر!! وإن فصل بينهما نصف قرن، حين مدَّ الخليلي يده يسلم أوراق اعتماده سفيرًا لعُمان وهو في شموخ زعامة قومه، ربما أنكر أنَّ يد السادات لم تغسل حينها من لجين النيل العظيم الذي ودعه جمال عبد الناصر من شرفة فندق النيل وهو يضمد جراح الأمة بالصدام بين الأردن والمقاومة بقوله: "لم ترّ عيني أجمل من هذا المنظر"  ربما أحس أنَّ يد السادات لوثها المشرب بدخان تبغه، وأن الحديث ليس حديث عبد الناصر عن الأمة تحرراً، وتنميةً، وعدالةً وسيادة؛ بل حديث يدعي فيه أن ناصراً صحابي السيرة ومنقذ مصر وزعيم الأمة المعتزة به الرافضة لاعتزاله مؤقنة أنه قادرٌ على تحقيق "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وفي الحديث ما يُشير إلى حبه لمحمد بهلوي والملكة إليزابيث ويتفوه بمقاطع من "يا ولدي هذا عمك جمال"؛ لكنه يروغ عن عبد الناصر كما يروغ الثعلب. حلَّ الخليلي بالقاهرة كما لو قدر للخليلي أن يزور مصر ليس كأيِّ سفير بعده أو قبله طالت قاماتهم أو قصرت، هذا قامته تماثل قامات عبد وجيفر وابن مسعود وابن محبوب والخليلي وجابر بالتأكيد قامات عبدالناصر وأحمد بن بله وهواري بو مدين وحافظ الأسد. لذلك بكى مبنى الثلاثين من شارع المتنزه المتعاضد مع نهايات شارع محمد مظهر وأبي الفداء حين افتقده ذات صباح لم يهز أركانه ولم يملأ أروقة مكاتبه ليعزى بأنه عاد للأرض التي ولدته وصنعته كما أحسست به وكما حدثَ مجالسيه وزواره ومحاوريه. وإن كنت كطالب ودَّع العشرينيات زمنًا ويحبو إلى ثانوية أحمد عرابي في منطقة "لازوغلي" بقلب القاهرة؛ فإنني لم أقترب منه لأنني لا أتقرب للشخصيات؛ وربما قد تكون مهابة وعفة حتى لا يظن أنني أطلب شيئاً إلا الشموخ للإنسان وللأوطان. لذلك رغم أنَّ حي الزمالك كعبتي، لكن بابها ليس نهاية المتنزه؛ حيث العلم العُماني بألونه وخنجره، وإنما باب كعبتي 33 بابًا من محمد مظهر؛ حيث من دفعني لشراء ميزان الذهب لأتعلم التفعيلات والقوافي. لكنني أتذكر جيدًا حين أخذت الأستاذة رباب البدراوي زوجة الأستاذ الشاعر أحمد سويلم لنسجل لقاءً بمناسبة العيد الوطني السادس مع الأستاذ السفير مال الله حبيب وكيف استقبلنا بابتسامة وترحاب لا يمر عليهما الزمان بالنسيان، وقدَّم للزميلة رباب زجاجة عطر، وهو يروي حديثاً نبوياً "حُبّبَ إِلَيَّ مِنْ دنياكُمُ النّساءُ والطيبُ وجُعِلَتْ قرةُ عينِي في الصّلاةِ". عاد الشيخ سعود الخليلي للوطن ليُعاود تذكار مسقط التي عاش بها حين كانت لا تفرق عن نزوى وسمائل والقابل والحمراء إلا ببعض أُبهات ومظاهر العاصمة بعد أن أرخت عمان سدولها للسلطان سعيد بن تيمور وبعض صورٍ من التقدم للمعاصرة، ويتذكر جلسة أول تشكيل وزاري برئاسة السيد طارق بن تيمور وعدد الحقائب الوزارية المحدودة والقاعة التي لا تضاهي القاعات التي توفرت لمجلس الوزراء في المجمع  الوزاري في روي أو مقره الحالي، أو حين يعقد بحصن الشموخ أو ببيت البركة، شخصيات مرموقة محدودة هو لوزارة "المعارف" كما كانت تسمى (وزارة التربية والتعليم)، وعبد الله الطائي لوزارة "الإعلام  والعمل". لا أتذكر إن كنت التقيته قبل حين؛ حيث كنَّا نرافق الآباء في زيارة الأقطاب العُمانية حين تأتي مسقط زائرةً كالشيخ  أحمد بن محمد الحارثي أو غيره من المشايخ، ولا أنسى جلسة ما بعد المغرب في بيت السيد أحمد بن إبراهبم البوسعيدي في أول بيت بعد مركز الشرطة من الباب الكبير لرقعة مسقط. قد أكون التقيتُ أخاه الشيخ هلال بن علي الخليلي؛ إذ كان يقطن بالجانب الغربي من البيت الذي يقيم فيه العلامة الوالد إبراهيم بن سعيد بن محسن العبري، وكنَّا نقيم معه بمقر إقامته ونرافق الآباء في زيارتهم، ويتهادى لي لقاء الشيخ عبد الله بن علي الخليلي في نزوى حين رافقت الآباء في رحلة العلامة والشيخ هاشم بن عيسى وطالب البوسعيدي حين توجه العلامة وقاضي القضاة إلى الشرقية، وخاصةً إلى جعلان بني بوعلي رغبة في الصلح فيما بين المشايخ. لكنني أتذكر أنني التقيت الشيخ سعود الخليلي بمقر الوزارة بالمبنى الذي شغل بوحدات الوزارات المحدودة بمسقط في صيف 1971 في أول عودةً لي بعد السفر في أواخر 1966، فدخلنا مكتبه دون موعد مُسبق كما تقتضيه ظروف العمل الوزاري الآن. كان والدي- رحمه الله- يقْدمني وأنا خلفه وكان حينها قاضياً في ولاية ينقل وربما قدم إلى مسقط مدعوًا لترسيمه قاضياً على ينقل من قبل الدولة؛ حيث كان قاضيًا بطلب وإعاشة من الشيخ سعيد بن عامر بن سيف بن عامر العلوي الذي له مكانة عالية بالظاهرة (أعني الشيخ سيف بن عامر)، وما رسالة العلامة إبراهيم العبري له عند توليه مشيخة وزعامة قومه التي نُشرت بوسائل التواصل مراتٍ عديدة إلا دليلٌ على مركزه  وحسن سيرته. دخل الوالد وأنا تبيعه والشيخ سعود الخليلي، فقام متهللاً شامخاً، قد يكون عرف بوجودي بالخارج دارسًا بالقاهرة وللتو أنهيتُ الإعدادية، وكانت نفقة إقامتي قد تكفل ببعضها الإمام غالب بن علي الهنائي وبعض يقدمه لي أخوه الشيخ طالب بن علي، ونتوسع في بعض مما يأتي من المعونة من الآباء والإخوان الذين يعملون بالكويت؛ بل إن بعضاً مما كان يرسل لمثلي العون ممن كان يعمل الآباء في أموالهم وبيوتهم. وما إن قدمت لنا القهوة حتى قال الوالد للشيخ نُريد منحة للولد سالم ليُكمل دراسته؛ حيث يدرس الآن بالقاهرة، فلم يتردَّد الشيخ الخليلي ولم يطرح بدائل كبلدان أخرى، كما طرح السيد فيصل بن علي أن أنقل دراستي إلى الأردن أو بريطانيا، لكن عدلَ حين قابلته فتذكرني حين نلتقي في بيتي الشيخين طالب بن علي ويحيى بن عبد الله النبهاني.. أخذ الشيخ سعود وزير "المعارف" طلب المنحة وكتب فيه عبارة: "يُمنح منحة مقدارها 15 ريالاً شهريًا ترسل للقاهرة من خلال الأستاذ محمد رشاد عزمي".. عدتُ للقاهرة قبل بدء العام الدراسي منتصف سبتمبر وإذا المنحة قد أرسلت لتوازي 17 جنيهًا مصريًا. لم ألتقِ الشيخ سعود الخليلي بالقاهرة أثناء عملي بالسفارة كما التقيت عددًا كبيرًا من شيوخ عُمان وزائري مصر والموظفين منهم الذين تقلد بعضهم منصب الوزارة الآن أو سابقاً. فقد التقيت الشيخ عبد الله بن علي الخليلي وهو آتٍ للعلاج والزيارة، وقدِّر لي أنني كنت أسكن البناية نفسها التي يقيم بها الشيخ عبد الله الخليلي بشارع سورية بمنطقة المهندسين في القاهرة، ولما علم الشيخ صقر بن سلطان القاسمي بوجود الشاعر الخليلي في القاهرة كان يزوره ولم أفوّت فرصة لقاء الزعيمين في الزعامة والشعر وكتبت عن لقائهما بالكتيب الذي أصدرته موسسة البطاطين الكويتية عن شيخ البيان الشيخ عبد الله الخليلي. ومن الشخصيات التي شرفت بزيارتها لبيتي بالقاهرة الإمام غالب بن علي بن هلال الهنائي، ولم نكن نستقبلهم كضيوف أعلام وللمباهاة؛ بل كشخصيات عُمانية لن يغفلها التاريخ، وهو كأحد آبائنا فقد تربى في شطرٍ من شبابه بالحمراء؛ لذلك لم نحفظ صورة عنه معنا كما فات علينا توثيق لقاء الشيخين صقر والخليلي وقال لي الشيخ عبد الملك الخليلي حين كنَّا بعزاء الشيخ سعود إن الشيخ صقر رفض التسجيل وربما لذلك لم يصور اللقاء وأظن أن الشيخ صقر ما أراد إشغال ذلك اللقاء الحميم بشوشرة التصوير والتسجيل وقد يكون زهداً وتواضعًا. وأظن أن كُتاب التقارير وجدوا وجبة دسمة لتقاريرهم عن سالم يستقبل الإمام ويضعه الشيخ صقر إلى جانبه في اللقاءات ويعزي في اغتيال أبي جهاد؛ فأمثال هؤلاء الذين يكتبون بإيحاءات تأتي من وراء البحار لا يدركون أن للبعض (بقية أخلاق وشيء من التقوى) لم يدركوا أن علي بن هلال صنو جدي أحمد بن سعيد وأن غالباً صنو العلامة إبراهيم العبري. وأن سالماً لن يبيع انتماءه لتلك القامات ويغض الطرف عن الصلات والعلاقات العمانية الأصيلة التي نعتز بها من أجل وظيفةٍ يقررها أو يمنحها موظف لا يعدو عن كونه موظفا بالوظائف العليا.

مشاركة :