الأديب سعد عبدالله الغريبي نشأ بين يديه الكتب، مثقف يمتلك مكتبة حافلة بشتی الكتب، وكانت تصل إليه في قريته النائية مجلتا روز اليوسف وآخر ساعة المصريتان، والجمهور والخواطر اللبنانيتان، والمنهل السعودية والعربي الكويتية. عزفت عن النشر لأنه مكلف وبلا مردود توفي والده مع دخوله المرحلة الثانوية، بعد أن وضع قدميه على أول طريق الثقافة والأدب، وظل منتهجاً هذا الطريق بإیقاعات مختلفة متباينة السرعة، حسب الظروف والمزاج. ورث من والده مكتبة، وكانت -في نظره- كنزاً لا يقدر بمال. يقول: "ظللت وفياً على عادة والدي في اقتناء الجديد والطريف؛ ولا سيما مجلة العربي، التي لم تنقطع عن مكتبتي إلا منذ وقت يسير. كان أول الكتب التي قرأتها في المرحلة المتوسطة هو (بلال بن رباح) لعبدالحميد جودة السحار. وقرأت في هذه المرحلة كتاب الأيام لطه حسين، وكتب مصطفى لطفي المنفلوطي. وفي المرحلة الثانوية (المهلهل سيد ربيعة) لمحمد فريد أبي حديد، ثم (فتح الأندلس) لعلي الجارم الذي قادني لكتاب (المعتمد بن عباد) لعلي أدهم، و(ابن عمار) لثروت أباظة. وفي الشعر قرأت (أبو القاسم الشابي) لأبي القاسم كرو، وفي مجال الروايات قرأت (البؤساء)". النص الذي لا يعجبني أحكم عليه بالإعدام وفي القسم العلمي بثانوية معهد العاصمة النموذجي -بدأ الخربشات الكتابية- وتلقاه أستاذان جليلان، وشاعران معروفان، هما: ضياء الدين الصابوني، وأحمد فرح عقيلان -رحمهما الله- صقلا لغته وإنشاءه؛ فبدأ كتابة المذكرات الشخصية، وسجل فيها ما يعن له من مواقف وخواطر ساذجة، وكتب الأغاني والقصائد خفيفة الأوزان. وبتأثير هذا الشحن الأدبي كان لا مفر من أن يتوجه إلى قسم اللغة العربية وآدابها، ولم يجد ما يقبل خريج القسم العلمي إلا كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة التي انضمت فيما بعد لجامعة الملك عبدالعزيز، ثم استقلَّتْ بمسمى أم القرى، فتخرج في قسم اللغة العربية وآدابها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكان الأول على دفعته. ليس للكتابة الإبداعية عندي طقوس "في المرحلة الجامعية؛ فضلاً عن الكتب المقررة، اقتنيت سبعة دواوين لأحمد الصافي النجفي وقرأتها جميعاً، وقرأتُ الشوقيات، ودواوين إيليا أبي ماضي، وزكي مبارك. وأغرمت بروايات أجاثا كريستي بصفة خاصة. وعثرت في مكتبات مكة المكرمة على مجلتي البيان الكويتية والأديب اللبنانية فبدأت باقتنائهما وقراءتهما". ويقول عن ذلك: "أذكر أنني في رحلة جامعية للمدينة المنورة وجدت طبعة مصورة عن طبعة بولاق من كتاب (الأغاني) في عشرين جزءًا اشتريتها بستين ريالاً، ولما لم يكن لها فهرس للأعلام ولا فهرس شامل للموضوعات؛ فقد صنعت فهرسين بخط يدي، نقلتهما لنسخة إلكترونية في العصر الإلكتروني". "في المرحلة الجامعية كتبت نصوصاً شعرية لاقت استحسان أساتذتي وتوجيههم، نشرت شيئاً منها بعد عقود في ديوانيَّ (مداد من غيوم) و(أيقونة شعري)، ومن الخواطر التي كتبتها في تلك المرحلة ما ضمنته كتابي (حديث الشفق)". "وكان لي اهتمام بالبحوث اللغوية والأدبية إبان دراستي الجامعية وبعدها، فكتابي المعنون (شاعر هذيل والمتحدث الرسمي باسم القبيلة: دراسة في سيرة أبي ذؤيب الهذلي) الذي نشرته عام 1996 كان أحد هذه البحوث. دخلت غمار الحياة العملية مدرساً في المرحلة المتوسطة بالرياض. ثم أوفدت للتدريس بالجمهورية اليمنية لمدة أربع سنوات، سجلت هذه الرحلة في كتاب (بكالوريوس تربية يمنية) نشره نادي الأحساء الأدبي سنة 2017. بعد عودتي من اليمن أعيرت خدماتي لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وفي الوقت نفسه أكملت مرحلة الماجستير في علم اللغة التطبيقي في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. عملت في مكتب التربية رئيساً لوحدة المطبوعات والنشر فكانت تجربة ثقافية ثرية. كنت مسؤولاً عن مراجعة مطبوعات المكتب التربوية والثقافية وتدقيقها قبل نشرها. وبين الدول العربية تنقلت ممثلاً للمكتب في معارض الكتب التي شارك فيها، كما أتيحت لي الفرصة لزيارة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس، ومنظمة (اليونسكو) في باريس، ودار هاشيت للطباعة. وعدت بعد ذلك لوزارة التربية مشرفاً لمادة اللغة العربية، ثم انتقلت إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني مديراً لإدارة الأبحاث والمناهج، ومشرفاً عاماً للغة العربية، فأتيحت لي مشاركة تأليف مقررات اللغة العربية للمعاهد الثانوية التابعة للمؤسسة مع الأستاذ الدكتور عبدالله الخثران، والدكتور سالم القرزعي". كما شاركت في إذاعة البرنامج العام بالرياض في برنامج (نسيم الصباح) ببعض الخواطر عام 1986، وأُجريت معي لقاءات في برنامج (سهرة على ضفاف الخليج) وبرنامج (كتاب وقارئ) من إعداد وتقديم الأستاذ إبراهيم الذهبي -رحمه الله- وذلك عام. وبدأ الكتابة في الصحف المحلية، كالرياض والجزيرة ومجلة اليمامة في المجالات اللغوية والثقافية والأدبية والاجتماعية والتربوية، وكان لي في الجزيرة عمود أسبوعي بعنوان (مساحة تربوية) عام. والآن أكتب بانتظام في الجزيرة الثقافية واليمامة ومجلة فرقد الإبداعية الإلكترونية. مرت السنوات ولم يطبع شاعرنا سوى رسالة الماجستير بعنوان (الأصوات العربية وتدريسها لغير الناطقين بها من الراشدين) عام 1985 ثم كتاب (شاعر هذيل) عام 1996. ويقول عن هذا الأمر: "الحقيقة أنني لم أكن حريصاً على النشر لعدة أسباب؛ منها أن النشر مكلف، وبلا مردود. والسبب الثاني أنني كنت شديد المحاسبة لنفسي، فالنص الذي لا يعجبني أحكم عليه بالإعدام، وما أكثر ما أتلفت من نصوص، لظني أنها لا ترقی لمستوى النشر. والثالث أن معظم قصائدي وخواطري وجدانية عاطفية، وكنت أرى أن مثل هذا البوح لا مكان له إلا في الصدور.." قبل ظهور الفيسبوك بسنوات أنشأت مدونة ضمن مدونات مكتوب، أسميتها (الملاح التائه) تيمناً بالشاعر الرومانسي صاحب هذا اللقب على محمود طه، وما لبثت أن أنشأت صفحة في الفيسبوك. في المدونة نشرت خواطري وقصائدي وقصصي القصيرة التي كنت أكتبها إلى جانب الدراسات الأدبية واللغوية والاجتماعية، ومذكرات السفر والسياحة، وبعد إلحاح كثير من قرائی جمعت ما كتبته من دراسات أدبية في كتاب (لكل شاعر حكاية) وأهديته لأصدقاء الحرف في (مكتوب) لأنهم كانوا وراء ظهوره للنور، وصدر متزامناً مع ديواني الأول (مداد من غيوم)، في بيروت بتنفيذ دار الرمك في ديسمبر 2011. واصلت شاعرنا الغريبي الكتابة والنشر، واتخذ من معرض بيروت الدولي للكتاب مكاناً وزماناً لميلاد ديواني الثاني (أيقونة شعري) الذي صدر عن دار الرمك أيضا في ديسمبر. ثم تلا ذلك عام 2013 كتابه (حديث الشفق) وهو عبارة عن خواطر، صدر عن نادي القصيم الأدبي بالتعاون مع مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة، "كما أصدر لي نادي الرياض الأدبي بالتعاون مع المركز العربي الثقافي ببيروت والدار البيضاء كتابي (من سحر المشرق وفن المغرب) وهو مذكرات سياحية لزياراتي لهونج كونج ومكاو والصين والهند والنيبال، والمغرب العربي". "وفي عام 2014 صدر لي عن نادي الطائف الأدبي بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي في بيروت ديواني الثالث (شمس تأذَّنُ بالرحيل)، وفي الوقت نفسه صدرت عن مؤسسة أروقة بالقاهرة روايتي الأولى (أحجار في قارعة الطريق). وفي فترة انتظار الديوان والرواية كان صديقي الشاعر والمترجم الفلسطيني نزار سرطاوي قد اصطفى بعض قصائدي ومقطوعاتي وترجمها إلى اللغة الإنجليزية، بعنوان (الغصن الندي) The Bedewed Bough وأكرمتني رابطة الكتاب الأردنيين بنشرها، وبإقامة أمسية شعرية، وحفل توقيع للمجموعة". ثم صدر ديوان (كأن شيئاً لم يكن) عن دار قلم الخيّال للنشر والتوزيع سنة 2016 وتلاه في سنة 2018 ديوان (سيسأل الليل عنها) عن دار السكرية للنشر والتوزيع بالقاهرة. وفي العام التالي 2019 صدر له روايته الثانية (وطن الحب) عن دار قلم الخيّال للنشر والتوزيع. "وكان قد تجمع لديه عدد من الخواطر والومضات القصيرة التي تشبه ما كان معروفاً في الأدب العربي بالتوقيعات، فنسقتها في كتاب عنونته بـ(طعم الورد) وصنفته (توقيعات معاصرة) تمييزاً لها عن التوقيعات التراثية، وكتبت له مقدمة عن التوقيعات استفدت فيها كثيراً من أستاذ الجيل الدكتور حمد الدخيل. وصدر الكتاب عن نادي أبها الأدبي ومؤسسة الانتشار في أواخر عام 2019". وفي مطلع سنة 2020 صدر له كتاب (نزهة في شواطئ الإبداع) عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة، الذي ضمنه بعض ما نشره في المجلات والصحف المحلية من قراءات لبعض المؤلفات الأدبية والدواوين والروايات والمجموعات القصصية. ولم تتوقف حركة الإصدارات في ظل (كورونا) فنشر في المجلة العربية كتاب (متعة الأبصار في بلاد البحار والأنهار) وأرفقه هدية لقرائها مع عدد ديسمبر من سنة 2020. وبفضل الله خلال عزلة كورونا أنجز دراسة أدبية عن (الشيخوخة في الشعر العربي) تتبع ما قاله الشعراء فيها من العصر الجاهلي إلى اليوم، وهي تطبع حالياً لدى نادي الطائف الأدبي ومؤسسة الانتشار، كما أنجز سيرة لمدينة الرياض يعرضها أصدقاء ترعرعوا في أحضانها. شاخوا، لكنها ظلت فتية بهية، وأسمى هذا العمل (شلة الملحق)، ويتولى طباعته حالياً نادي الرياض الأدبي بتنفيذ المركز العربي الثقافي. كما تمكن من إنجاز مسودتيْ رواية وديوان، ويقول: "آمل أن أدفعهما للطبع قريبا". ختاماً يعترف: "ليس لي كاتب قدوة ولا شاعر، فقد كنت وما زلت أقرأ ما أستحسنه مما يقع بين يدي، وليس للكتابة عندي طقوس معينة فلا قهوة ولا سجائر، وليس لها مكان وزمان، فلا نهرَ ولا جبل، ولا واحةَ ولا رمل. هناك ساعة إلهام؛ فيها يهبط على الشاعر والكاتب الإبداع، ولا جدوى من تهيئة الطقوس وانتظار اللحظة الحاسمة.. وقد عبرت عن هذه اللحظة في قصيدة (الساعة العاشقة) وجهتها لمن يستبطئ هطول القصيد، أقول في مطلعها: سألت القصيد: متى نلتقي؟ فقال لدى الساعة العاشقة ففي ساعة العشق ينهمر الـــــقصــيد بلا نـــذر ســـابقة فإن شارف الوقت يا سيدي تقــدم بخطواتــك الواثقة وختمتها بقولي: شكرت القصيد وقلت له: سننتظر الساعة العاشقة. الزميل بكر هذال مع الضيف خلال تكريمه في أحد الملتقيات
مشاركة :