يرى البعض أن الأوبئة الجديدة.. ومنها فيروس كورونا المستجد من اختصاص علماء الأحياء والفيروسات والأطباء, بينما يؤكد علماء الاجتماع أن مثل هذه الادعاءات لا أساس لها، وتشكّل نقصاً في فهم كيفية ارتباط الطب بالعالم الذي توجد فيه، فالأوبئة الجديدة تعد بمثابة تحدي كبير لعلماء الاجتماع ,وإذا واصلنا إهمال ذلك فهناك احتمالية كبيرة بأن تنتهي بسياسات وطنية ودولية خاطئة، تضر أكثر مما تنفع، ولذلك فإن تركيز الانتباه والموارد على الطب فقط يخبرنا نصف القصة، وعن كيفية تحديد المجتمعات للأمراض والأوبئة الجديدة، وكيفية استجابتها لها، وما هي العواقب المحتملة,ولذلك نجد أن هناك علاقة قوية وصلة مباشرة بين المجتمع والأوبئة وتأثيرها على البناء الاجتماعي ووظائفه المختلفة, وربما كان العزل المنزلي بعد هبوب رياح جائحة كورونا كوفيد 19 على العالم قبل عامين هو القدر الحتمي لاتقاء شر وباء كورونا, وبالتالي العمل على توظيف تكنولوجيا التواصل والاتصال وبين أفراد الأسرة ومجتمعهم من الأهل والأصدقاء ومؤسسات الأعمال والتعليم.. الخ.من أجل عدم توقف عجلة التعليم والاقتصاد والبناء والتنمية. *ومن هنا جاءت ولادة فرع جديد من فروع علم الاجتماع العام (علم اجتماع الأوبئة) مواكباً لتحديات الجائحة ومتغيرات العصر يأخذ على عاتقه دراسة اجتماعية عميقة للاستجابات المجتمعية للتهديد الوبائي. وعبر هذه الزاوية نسلط الضوء على أهم فروع الاجتماع الحديث التي جاءت استجابة لمتطلبات المرحلة ومنسجماً مع متغيرات الزمن.. كتاب (علم اجتماع الأوبئة ولغز وباء كورونا) لمؤلفته أ. د. بدرية بنت محمد العتيبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومدير عام النشر بالجامعة العريقة. * الكتاب يتكون من عشرة فصول، الفصل الأول يتحدث عن نظرة على علم الأوبئة وعلاقته بعلم الاجتماع الوبائي, ويتناول الفصل الثاني علم اجتماع الصحة والمرض كأساس لعلم الاجتماع الوبائي (التعريفات والمفاهيم والمجالات), ومعروف بأن الصحة تعد أحد الجوانب الأساسية في حياة الأفراد والمجتمعات, ولذلك حاولت الإنسانية منذ القدم البحث عن أسباب الأمراض وكيفية علاجها ,ولا تزال إلى اليوم تسعى إلى ذلك معتمدة على التطور التكنولوجي والتقدم العلمي سعياً إلى تحقيق أكبر قدر من الصحة، بينما يسلط الفصل الثالث الضوء على علم الاجتماع الوبائي مفهومه ومجالاته ونشأته ووظائفه ورواده وأهم أعماله. وتطرح المؤلفة مفهوم علم الاجتماع الوبائي نقلاً عن الدكتور جونس بأنه :ذلك العلم الذي يدرس الجذور الاجتماعية بالميدان الطبي ومؤسساته وتقنياته وآثاره الوبائية ومعارفه في المجتمع والبناء الاجتماعي. وتحدث الفصل الرابع عن نظرات سوسيولوجية في انتشار الأوبئة والأمراض خاصة في ظل التقدم الكبير الذي شهدته البشرية في مجال الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها,بالذات في الدول المتقدمة، فإن هذه الأمراض لا زالت تعد المشكلة الصحية الأولى على نطاق العالم،خصوصا الدول النامية ولا يزال العالم يعاني بين الحين والآخر من جائحات خطيرة لأمراض معدية بعضها قديم والآخر حديث النشأة مثل جائحة كورونا! ويكشف الفصل الخامس اتجاهات علم اجتماع الأوبئة عند العرب والمسلمين حيث تحدثت الباحثة عن اهتمام الدولة الإسلامية في عصر النبوة وفي الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم الدينية والمدنية، فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح, فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة فاستظل الناس بظلها قروناً عدة آمنين مطمئنين. ويتطرق الفصل السادس إلى فيروس كورونا الذي يشكل تحدي كبير لعلماء الاجتماع بعد أن رفعت الدول شعار لا صوت يعلو صوت المعركة ضد كورونا! ويستعرض الفصل السابع نجاح المجتمع السعودي في اختبار وباء كورونا بعد أن برهن المجتمع السعودي على قدرته الفائقة على تحمل المسؤولية والالتزام بالتعليمات الصحية والتحذيرات الوقائية ضد جائحة كورونا التي تلقاها من المؤسسات والجهات المعنية, والأكيد أن عليه مواصلة هذه الحالة المتقدمة من الوعي الوطني والمسؤولية الاجتماعية ليكون مجتمعاً حضارياً ورافداً تنموياً لتطور وازدهار الوطن. ويتناول الفصل الثامن التباعد الاجتماعي: أنواعه ومفهومه الذي راج أخيراً رواجاً كبيراً في الإعلام بسبب كورونا وتحدياته المستقبلية. أما الفصل التاسع تحدثت فيه المؤلفة على دور الأخصائي الاجتماعي الإكلنيكي في مواجهة وباء كورونا, وأهم المهارات المهنية التي يستخدمها الأخصائي في مجال الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية. وفي الفصل العاشر والأخير يناقش وباء كورونا وإرهاصاته الذي فرض على العالم ولادة علم جديد اسمه «علم اجتماع الذكاء الاصطناعي» ومستقبل حياة البشر في مرحلة ما بعد كورونا. *الكتاب جاء بمحتواه الثري الذي يتكئ على أرضية صلبة من المنهجية العلمية, والمفاهيم السوسيولوجية الرصينة, والأفكار الأساسية والمهمة لعلم الاجتماع الوبائي .. مواكبا لمتطلبات المرحلة ,ومع ما يشهده العالم من أثر جائحة كورونا واكتساحها الجنس البشري بظاهرته ومكتسباته العلمية والاقتصادية والثقافية والحضارية , ويضعها جميعا على المحك.. محك الوجود من عدمه, خصوصاً إذا استمر الوباء فترة زمنية طويلة ..ساعتها سنشهد بالتأكيد اجتماعا بشريا من نوع آخر لا يمكن التكهن بطوالعه وأهدافه وأنماطه ,فالوباء المستجد وغير المسبوق يشكل قطعا منعطفا نحو صيغة جديدة من الوجود في العالم تتطلب بالضرورة مزيدا من الدراسات والأبحاث الوبائية والفيروسية والاجتماعية للتصدي لخطر هذه الجائحة المتحورة وأثارها على الفرد والأسرة والمجتمع. بعد أن أحدث هذا الفيروس تغييراً جذرياً في طريقة عيش الناس ونمط حياتهم وتفاعلهم الاجتماعي.
مشاركة :