إيمان المومني - أكاديمية وكاتبة تعد الكتابة الساخرة عملاً درامياً مستقلاً بذاته له تركيبة أدبية مضغوطة ومكثفة، إفراز ناقد لأزمات الدول والثقافات. فالمجتمعات المتشكلة الناضجة هي التي تسخر من جراحاتها وتبتسم في وجه أزماتها. لا أحد يعرف كيف بدأت الكتابة الساخرة، ولا من أين تأتي، فهي تظهر في حالات الضغط الاجتماعي أو الإحساس بالقهر، وتختفي في حالات الإجهاد الاجتماعي وغياب التسامح وزيادة العصبية الجماعية. في بدايات هذا القرن كان بإمكان الكاتب الساخر أن يمس طائفة بعينها أو فئة اجتماعية دون أن تنزعج هذه الفئة أو الطائفة بشكل عصبي جماعي، أو كانت على الأقل تتعامل مع سخطها بشكل موضوعي، أما في الوقت الحالي فيكفي أن تتعرض بكلمة لأي فئة حتى تنبري هذه الفئة بطريقة قبلية حماسية للدفاع عن نفسها حتى لو لم تكن تلك الكلمة تمسها بشكل مباشر؛ فالسخرية في الوطن العربي والإسلامي يجب أن تكون من فصيلة خاصة مطهرة من المشكلات تماما مثل افتتاحيات معظم «الجرائد» الرسمية العربية. كتابة المواضيع الساخرة من المهمات الصعبة؛ فهي تحتاج إلى ثقافة قوية وطرق تعبيرية تتميز برشاقتها واناقتها بين «الرصانة» و«التهريج». فالساخر ثائر ومتمرد فكري، ضحكته المرّة تخرج من قلب حزين ينظر إلى الغد بعين أكثر أملاً، يكتب بسخرية لاذعة يستمدها من واقع بائس مشكلاً ملامح لوحة الغد المشرق المفعم بالأمل؛ فالكاتب الساخر يمتلك قوة خارقة قادرة وبسرعة مذهلة على اختراق طبقات الزيف للوصول إلى القبح والقبض عليه وعرضه. تعد الكتابة الساخرة سلاحاً فعّالاً ضد الفساد؛ فهي تعيد الأشياء إلى حجومها الطبيعية وتطهّر الأمكنة من فسادها. كلما أمعن الكاتب الساخر في سخريته كان أكثر صدقاً ونبلاً في هذا الزمان المتلاطم الحافل «بالكذب» و«الخداع» و«الرياء»؛ فالسخرية سلاحه الذاتي الذي يستخدمه للدفاع عن جبهته الداخلية ضد «الخواء» و«الجنون» المطبق؛ إذ إن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح والضحك إلا أنّها تخفي خلفها أنهاراً من الدموع لتجسيد المثل القائل« شر البلية مايضحك»، ولعلنا نحن العرب الأكثر قدرة في هذا العالم على إتقان الرقص من شدة الألم، هذا الألم الممتد كبقعة من المحيط إلى الخليج هو المحرك والدافع الذي تسيل معه قطرات الحبر أنهاراً من قلب كل ساخر حر للسخرية من شعوب مهزومة لا تزال «تتلمّظ »بأمجاد الماضي و«تعربد» على العالم مدعية بأنّها علمته الحضارة والثقافة والفكر، وللسخرية من المفكرين الذين يعتقدون بأنهم «ينضحون» فكراً وعلماً وأولئك «الديبلوماسيين» الذين «يتنطّطون» في أمريكا وأوروبا وفي كل مكان مثل «الكناغر» من «ملهى» إلى«كازينو»، ويعودون إلينا وهم يتصببون عرقا من كثرة «العمل»، وللسخرية من علماء بلا علم ومن وطنيين بلا وطنية ومن شعراء بلا شعر. السخرية ليست ترفا ولا هي برامج رمضانية مسلية تفرّح القلب، هي الحرب التي يقودها الضعفاء العزّل في مواجهة الأقوياء الفاسدين.
مشاركة :