رحيل الجلبي.. «مهندس» اجتياح العراق

  • 11/4/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كل شيء لم يكن طبيعيا في حياة أحمد الجلبي الطويلة والعريضة، ما عدا موته الذي بدا «طبيعيا» أكثر من اللازم. مجرد أزمة قلبية يمكن أن يمر بها قلب أي إنسان ناهيك برجل بلغ السبعين من العمر. ومثلما أسست المعلومات التي وصفتها كل من الحكومتين الأميركية والبريطانية، بأنها مغلوطة، والتي كان قد قدمها إليهما أحمد الجلبي كمقدمة لاجتياح العراق وتدميره، والتي ظل الجلبي يدافع عنها حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت موته «الطبيعي»، فإنه يكاد يكون السياسي العراقي الوحيد من بين سياسيي الخط الأول بعد عام 2003 الذي مات موتا طبيعيا. كلهم ما زالوا على قيد الحياة حتى من بلغ منهم من العمر عتيّا. الجلبي وحده من غادر الحياة بعد أن كان الاحتلال الأميركي أدخله التاريخ لكنه لم يعرف حتى لحظة وفاته كيفية الخروج منه. فبعد اجتياح العراق بدأت مشكلات الجلبي مع الأميركيين أو بدأوا هم مشكلاتهم معه. الجلبي المولود عام 1944، عاش في أسرة مال وسياسة، ووصفه كثيرون بالليبرالي، لكن لم يمنعه ذلك من الهرب إلى الحاضنة الطائفية حين تفاقمت مشكلاته مع الأميركيين بعد أن هندس اجتياح العراق، فأسس - على غير المعتاد من رجل اقتصاد وسياسي ليبرالي التفكير - ما عرف في وقته بـ«البيت الشيعي». ومع أن لقبه بقي حتى بعد وفاته هو «زعيم» المؤتمر الوطني العراقي الذي كان أكبر فصائل المعارضة العراقية ضد نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، فإن المشكلات التي عاناها ولا يزال يعانيها المؤتمر الوطني بخروج قيادات منه واصطفافها مع خصوم الجلبي، لم تسعفه في أن يطبق زعامته على أرض الواقع من خلال كتلة برلمانية؛ فكثيرون ممن لم يكن لهم دور قبل سقوط النظام السابق عام 2003 ولم يعرفهم أحد، تحولوا إلى زعامات لها كتل وأصوات في البرلمان، إلا «الزعيم» أحمد الجلبي الذي بقي رغم سمعته المدوية وصيته القوي على الهامش بالقياس إلى دوره الماضي.. أعلى منصب وصل إليه نائب رئيس الوزراء في حكومة نوري المالكي الأولى؛ حيث فشل في الحصول على مقعد واحد في البرلمان في دورته الماضية؛ الأمر الذي اضطره في الدورة اللاحقة إلى التحالف مع المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم لكي يحصل على مقعد في البرلمان الحالي. ومن مفارقات الجلبي أنه نافس رئيس الوزراء حيدر العبادي عند ترشحه نائبا أول لرئيس البرلمان العراقي في صيف العام الماضي، في مسعى وصف في وقته بأنه تجسيد للخلاف العميق داخل التحالف الوطني لا سيما بين أبرز فصيلين منه؛ ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني؛ الذي يضم تياري الحكيم ومقتدى الصدر. وبسبب الجلبي، لم يتمكن العبادي من الحصول على الأغلبية التي تؤهله لمنصب النائب الأول، فيما لعب إبراهيم الجعفري (وزير الخارجية الحالي) دورا في إقناع الجلبي بالانسحاب من حلبة المنافسة مع العبادي. وبعد شهرين على هذا الحادث ترشح العبادي رئيسا للوزراء بعد إزاحة المالكي. وبقي موقف الجلبي مواربا حيال العبادي رغم أنه ترأس اللجنة المالية البرلمانية التي كان يترأسها العبادي. وقبيل موته بفترة قصيرة، صعد الجلبي كثيرا من مواقفه حيال ملفات الفساد، واتهم صراحة حكومتي المالكي بإهدار ما قيمته 700 مليار دولار. وعلى الرغم من أن الجلبي من مؤسسي العراق الجديد بما في ذلك المنطقة الخضراء الدولية، فإنه لم يقطن فيها، وآثر السكن في المدينة التي ينتمي إليها؛ مدينة الكاظمية شمال العاصمة بغداد، حيث أملاك أهله الهائلة. وفي واحد من البيوت الراقية التي يملكها على ضفاف دجلة في منطقة ما يسمى «المحيط بالكاظمية»، «اجتث» الموت من كان، ولا يزال، يوصف بأنه «أب الاجتثاث» الذي لحق بمئات الآلاف ممن كانوا منتمين لحزب البعث. يذكر أن الجلبي المولود في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1944، غادر العراق مع عائلته عام 1958 إلى الأردن، وظل يتنقل بينها وبين لبنان والولايات المتحدة الأميركية لسنوات عدة، وعاد في مطلع تسعينات القرن الماضي إلى بلده للمشاركة في حركة المعارضة لنظام صدام حتى عام 1997، انطلاقا من إقليم كردستان؛ حيث شكل المؤتمر الوطني العراقي عام 1992، الذي كان يشمل قوى وأحزابا ومنظمات عراقية وشخصيات علمية وأدبية للعمل على المستوى الخارجي آنذاك، واعتبر أبرز مزودي الولايات المتحدة بالمعلومات التي بررت اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

مشاركة :