هل يوجد قانون ينظم ويحدد كيفية جمع الوثائق والمستندات الحكومية؟ وما العمر الزمني الذي يستوجب الالتزام به وبعده يُسمح بإتلاف تلك الوثائق؟ هل هو عشر سنوات أم ثلاثون؟ وما الجهة التي تتولى الحفظ والمساءلة؟ هذا التحقيق يلقي الضوء على ذلك الملف من واقع الاستقصاء والوقوف على تجربة أهل الخبرة والقانون والمعرفة. فالجهات الحكومية تتخلص من أوراقها دون أن يسألها أحد، إذ لا وجود لقانون ينظم حفظ الوثائق أو يحدد عدد سنوات الاحتفاظ بها. سألت عدداً كبيراً من المعنيين، الذين عملوا في وزارات الدولة، عن عدد السنوات التي يفرضها القانون للاحتفاظ بتلك الوثائق، فأجابوا وبالإجماع: لا يوجد قانون في هذا الشأن؟ «فايلات» تم رميها في صناديق الزبالة، ووثائق تعود إلى الستينيات خاصة بالتثمين اشتراها أحد الحريصين والغيورين وقام بتسليمها وإيداعها في مركز البحوث والدراسات الكويتية. لا قاعدة قانونية خبيرة قانونية أفادت بأنه لا يوجد قانون يحدد العمر الزمني للاحتفاظ بالوثائق والمستندات والمراسلات التي تعود لهذه الوزارة أو تلك الإدارة. وغالباً ما يجتهد القائمون في الوزارات وبحسب تقديراتهم الشخصية للاحتفاظ بالوثائق نظراً لمعرفتهم بأهميتها والعودة إليها لما يترتب على وجودها من التزامات وحقوق، وهذه ليست قاعدة ملزمة، بل استنساب! رواية البرجس وقد سمعت رواية من الزميلة مها البرجس عن والدها الراحل برجس حمود البرجس، عندما اتصل به أحد الأشخاص لمعرفته به وبتاريخه الوظيفي ولأنه كان يشغل منصب وكيل في وزارة الصحة، إذ أبلغه أنه سيتم حرق سجلات تاريخية عائدة للوزارة، وعندها طلب البرجس منه التوقف وذهب بنفسه إلى المكان المحدد وعمل على تجميع تلك السجلات، وجلبها إلى بيته، لتبقى حتى يومنا هذا، فقد حافظت عليها عائلته بعد وفاته. وثائق أول إحصاء وهناك رواية أخرى ذكرها الصديق علي رئيس، حيث قال: "اشتريت بنفسي سجلات ومحاضر أول إحصاء سكاني للكويت عام 1957 من شخص مصري، ذهبت إليه في القاهرة ودفعت ثمنها وأعدتها إلى الكويت". مخازن الميناء وربما كانت قصة الوثائق التي قام بشحنها الأخ عبدالعزيز الخطيب، وهو أحد أقدم العاملين في مركز البحوث والدراسات الكويتية، وبتوجيهات من د. عبدالله الغنيم، من الميناء وقسم المخازن إلى المركز، وكانت حمولة 17 شاحنة، من أكثر القصص إيلاماً؟ مساومات البيع والشراء هناك مجموعات من الأشخاص الهواة، بمعنى أدق، يتاجرون ببيع الوثائق، يقيمون علاقات خاصة مع المقاولين الذين يخبرون هؤلاء "الهواة" بالأماكن التي يعثرون فيها على وثائق كالقصور والأبنية الرسمية التي سيتم ترميمها أو إزالتها. وهنا تبدأ المساومات تأخذ مداها: من يشتري وكيف يبيع؟ تسمع الكثير من الروايات الخيالية، فإذا كنت تبحث عن صور لحدث تاريخي يشيرون عليك بالشخص الذي يحتفظ بها، حتى سجلات المحاكم القديمة، يمكن العثور عليها عند هؤلاء "الهواة" فهي تباع كباقي السلع! 22 مليون وثيقة كما اطلعت على المجهود الذي يبذله د. عبدالله الغنيم بشأن جمع وحفظ وفهرسة الوثائق، سواء كانت حكومية أو من جهات ومؤسسات بالدولة، أو تلك العائدة لعوائل رأت إيصالها إلى مركز البحوث للاستفادة منها، بإصدار كتب وبنفس الوقت يقومون بعملية ترميم وفهرسة وحفظ كاملة، فقد بلغ عدد الوثائق التي بحوزة المركز حتى اليوم أكثر من 22 مليون وثيقة حكومية وأهلية. مبادرة فهد الشعلة وفي هذا الإطار ونحن في خضم البحث والاستفسار، وقعت يداي على خطاب موثق وجهه السيد فهد الشعلة، بصفته مدير ادارة نزع الملكية للمنفعة العامة، إلى وزيري المالية السابقين، نايف الحجرف وأنس الصالح، يشرح فيه ويستعرض "لائحة المحفوظات" رقم 7 لسنة 2001 والصادرة من وزارة المالية.... ثم يتبع ذلك باقتراح موسع من شأنه ضبط وربط موضوع الوثائق والمستندات الحكومية. يقول الشعلة في الخطاب، المعنون "السجلات والمستندات والوثائق الخاصة بالجهات الحكومية"، إنه "منذ صدور أول لائحة خاصة بالمحفوظات وبموجب القرار الوزاري رقم 27 لسنة 1971، حرصت اللائحة في مواد الإصدار الخاصة بها على بيان عدة أمور، أولها توسيع مفهوم المحفوظات ليشمل كل ما يحمل بيانات أو معلومات دون النظر للشكل المثبتة به، حتى يتسنى دمج المحفوظات الإلكترونية في نطاق اللائحة. ثانيها، تحديد الإطار التنظيمي لوحدة المحفوظات بكافة وظائفها الرئيسية. ثالثها، تحديد التنظيم الفني للمحفوظات. وقسمت اللائحة إلى قسمين: الأول اشتمل على المفاهيم والقواعد والأحكام العامة، وورد في ثلاث عشرة مادة، أما الثاني فوردت به الملاحق والقواعد المفسرة للقسم الأول، وكذا آليات التنفيذ. وقد كشف العمل بنصوص اللائحة وموادها عن أهمية المحفوظات خاصة في المؤسسات الحكومية ذات الصلة بالمنشآت والعقارات، ولعل من أهم تلك المؤسسات بلدية الكويت، إدارة نزع الملكية للمنفعة العامة، إدارة التسجيل العقاري، وإدارة أملاك الدولة. وربما كان لمحفوظات إدارة نزع الملكية النصيب الأهم نظرا لما تشتمل عليه من أوراق ثبوتية لعقارات قد تتسم بالطبيعة التاريخية، وعقود قد تصل إلى أهمية الأثر بوصفها مخطوطة لتاريخ أمة شأنها في ذلك شأن إدارة التسجيل العقاري، وقد تكون بعض تلك المخطوطات صفحة من صفحات التاريخ لأجيال قادمة. وقد كشف التطبيق العملي للائحة ضرورة إدخال مجموعة من التعديلات عليها استوجبها الواقع العملي، وكشفت عنها الحاجة بعد مرور خمسة عشر عاماً من تطبيق اللائحة. وحرصاً منا على التراث الوطني المتمثل في المخططات والسجلات والوثائق التاريخية لدولة الكويت وللحفاظ على ذاكرة الأمة، فإننا نقترح الآتي: 1- أن يتم حفظ المخططات الخاصة بالجهات الحكومية وإيداعها بمعرفة جهة حكومية يناط بها حفظها بصفة دائمة - أي بعد مرور خمس عشرة سنة - كما ورد بالملحق السادس من اللائحة - بوصفها مخطوطة، كمركز البحوث والدراسات الكويتية، أو العمل على انشاء هيئة خاصة - يصدر بها قرار من مجلس الوزراء - يوكل إليها مهمة حفظ الوثائق والمحفوظات الوطنية بصفة دائمة، وعدم تعرضها للإتلاف مهما طالت مدة الحفظ. 2- تفعيل نص الفقرة الثانية من المادة الخامسة التي نصت على أنه .... 2- إذا لم تكن هناك وحدة تنظيمية مكلفة رسمياً بمسؤولية إدارة المحفوظات في الجهات الحكومية وجب عليها إصدار قرار بتسمية الوحدة المسؤولة عن ذلك وتحديد اختصاصاتها من بين الوحدات الموجودة ضمن الهيكل التنظيمي للجهة الحكومية على ان تكون ذات صلة مباشرة بهذا العمل مثل الشؤون الإدارية..... ونقترح هنا لتفعيل هذه المادة تشكيل لجنة في الإدارات ذات الصلة بالمحفوظات داخل كل جهة حكومية تختص بفحص المحفوظات وبيان أنواعها وفقا لنص المادة الرابعة من اللائحة، وبيان ما يعد محفوظة دائمة يتعين عدم إتلافها او المساس بها والاحتفاظ بها بصفة دائمة. 3- استصدار قرار من مجلس الوزراء بحظر بيع او تداول اي مستندات حكومية إلا بتصريح خاص من الجهة المختصة مع مراعاة القواعد الخاصة بإتلاف المستندات الجارية والمؤقتة وفقاً للمدة المحددة باللائحة، والنص على عقوبة تكفل احترام حظر البيع او التداول للمستندات الحكومية. 4- أن يوكل الى لجنة مشكلة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مهمة فحص المحفوظات الدائمة المحالة إليها من الإدارات الحكومية لتقرير مدى كونها مخطوطة أثرية يتعين حفظها للأبد من عدمه". الحقيقة أن ترك الوثائق والمستندات والسجلات معلقة دون سقف قانوني واضح ومحدد مسألة في غاية الخطورة، وتدق ناقوس الخطر، وتستدعي اتخاذ الخطوات التشريعية والقانونية التي تستوجب حفظ ذاكرة الدولة والأمة، فهي ثروة قومية لا يجوز إهمالها وتركها للتلف أو العبث. لم أجد تجسيدا للوضع القائم أفضل من الجملة التي قالها لي علي رئيس بأن ما يجري "جريمة بدون وعي" فليس هناك من يحاسب؟
مشاركة :