في الوقت الذي تشكل فيه المحاولات المحمومة، التي تنخرط فيها ميليشيا «حزب الله» الإرهابية، لإجهاض التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت، دليلاً جديداً على الطابع الإجرامي لهذا التنظيم الدموي، فإنها تظهر في الوقت نفسه هشاشة الأسس، التي يقوم عليها النظام السياسي القائم في لبنان، منذ انتهاء الحرب الأهلية التي دارت في أراضيه، خلال الربع الأخير من القرن الماضي. فتشبث «الحزب» بـ«ثقافة الإفلات من العقاب والحصانة من المساءلة» التي يحظى بها منذ تسعينيات القرن العشرين تقريباً، يبرز من جديد خطورة تغييب القانون على الساحة اللبنانية، بتوافق ضمني بين فرقائه، منذ أن توقف الاقتتال بينهم، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهو ما أدى لنشأة نظام يقوم على المحسوبية والفساد، والموازنة بين الطوائف المختلفة. ووصف محللون غربيون «هذه الثقافة بقنبلة موقوتة» تهدد لبنان، وتقوض أي آمال، في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية وواسعة النطاق في أراضيه، وهو ما جعلها من بين أبرز العوامل، التي أجهضت الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي شهدها هذا البلد في أكتوبر 2019، وطالب المشاركون فيها بتفكيك الطبقة السياسية الحاكمة، ووقف التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي. واعتبر المحللون أنه لا يمكن التقليل من شأن الاشتباكات الدموية، التي وقعت في بيروت منتصف الشهر الجاري، على خلفية اعتصام نظمه مسلحو «حزب الله» وحلفاؤه، للمطالبة بعزل المحقق العدلي طارق البيطار، الذي يتولى التحقيق في ملف انفجار المرفأ. ورجحوا تدهور العلاقات بين الفرقاء اللبنانيين، إلى حد يزج بالبلاد في مرحلة «أكثر قتامة»، من تلك التي تسودها منذ عامين، وتتسم بالشلل السياسي والانهيار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية، لاسيما أن المواجهات، التي أوقعت 7 قتلى، أعادت ذكريات الانقسام بين الشطرين الشرقي والغربي من بيروت، خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990)، والتي أسفرت عن مقتل قرابة 120 ألف شخص، ونزوح ما يقرب من مليون آخرين. ورغم المؤشرات التي تفيد بتورط «الحزب» بشكل مباشر أو غير مباشر، في كارثة بيروت التي وقعت مطلع أغسطس 2020، فإن هذا التنظيم الإرهابي، يحاول باستماتة التنصل من مسؤوليته في هذا الشأن، ووضع العراقيل أمام التحقيق الجاري في الانفجار، وهو ما حال دون إحراز أي تقدم يُذكر على هذا المضمار حتى الآن. وفي تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لـ«منظمة السلام العالمي»، شدد المحللون الغربيون على ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً أكثر وضوحاً، لتحقيق العدالة ومساءلة الضالعين في انفجار بيروت، الذي أدى لمقتل أكثر من 200 شخص، وجرح ما يزيد على 6500 آخرين، بجانب إلحاق دمار واسع بالعاصمة اللبنانية. وتلقي هذه الأجواء بظلالها على الانتخابات النيابية المقررة في لبنان مارس المقبل، والتي اعتبرها البعض فرصة للتغيير من خلال صناديق الاقتراع. وأعلنت الرئاسة اللبنانية، أمس، أن قانون تعديل قانون الانتخابات بات نافذاً حكماً بعد رفض الرئيس اللبناني توقيعه. وقالت الرئاسة اللبنانية، في تغريدة على موقع «تويتر»: إن «قانون تعديل قانون الانتخاب بات نافذاً حكماً بعد رفض الرئيس ميشال عون إصداره». وكان مجلس النواب اللبناني، أقر قانون تقريب موعد الانتخابات إلى 27 مارس المقبل، بعد أن كانت مقررة في 8 مايو.
مشاركة :