انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أشهر المواقف الإنسانية للقاضي الأمريكي “فرانك كابريو”، والتي لاقت إعجابًا منقطع النظير في عصر تعقدت فيه أساليب الحياة، وزادت الضغوط على الإنسان، وفي هذا التحقيق تطرح صحيفة “مكة الإلكترونية” هذا السؤال: أيهما أضمن لتحقيق العدالة؟ روح النظام أم نصوصه وهل هما مختلفان أم متكاملان؟ “روح القانون” تتوقف على الخبرة والتأهيل؟! يقول البروفسور خالد بن عمر الرديعان ـ أستاذ علم الاجتماع ـ: كما أفهم فإن نص القانون هي تطبيقه بصرف النظر عن جميع الاعتبارات والملابسات الخاصة بالجاني، وهنا ينتفي البُعد الإنساني في الحكم، وأما الأكثر عدالة هو تطبيق روح القانون، ويكشف تمامًا عن شخصية القاضي ومدى براعته في معالجة القضية التي ينظرها، وهذا يحتاج للارتقاء بمستوى تأهيل جناحي العدالة، وهما القضاء والنيابة والخبرة مشيرًا إلى أن الاجتهاد في مراعاة “روح القانون ” يوجد ختلاف بين قاضٍ وآخر مما قد يثير جدلًا بين المختصين والقانونيين وحتى غير المختصين لأنه غير منضبط بنص وهنا مبعث الجدل؟! ويشدد الرديعان على أهمية إشراك الإخصائيين الاجتماعيين في تحقيق العدالة؛ لأن حضورهم في المحاكم واستشارتهم من شأنه أن يسهم في الارتقاء بمنظومة القضاء. النص القانوني عنوان العدالة ومن جانبه يرى ماجد قاروب ـ المحامي والمستشار القانوني ـ أن النص القانوني هو الأضمن للعدالة في الإطار التشريعي المتكامل؛ لأنه يحتوي على تصنيف الجرائم ودرجاتها من الجُنحة إلى الجريمة الكبرى كما يحتوي على الظروف المخففة للعقوبة أو التي تغلظ العقوبة؛ لتكون في حدها الأعلى مشيرًا إلى أن روح القانون يعتمد على اجتهاد القاضي، وهذا أساس الظلم وعدم العدالة وأكبر خطر لانحرافها عن مسارها الصحيح والطبيعي مشددًا على أن العدالة يجب أن ترتكز أولًا وأخيرًا على نصوص القانون في إطار من احترام القوانين العامة الواجبة النفاذ والتطبيق. المرض النفسي في دائرة الاشتباه ؟! ويشير الدكتور إبراهيم سالم الصيخان ـ مدير مركز وهج للإرشاد الأسري بالخبر ـ إلى أن الكثير من الأمراض النفسية تقف وراء العديد من الجرائم مطالبًا بإشراك الإخصائيين النفسيين بمنظومة القضاء ووجود إخصائيين مؤهلين بكل محكمة؛ ليدلوا برأيهم فيما إذا كان المتهم يعاني من أحد الأمراض النفسية من عدمه، وهذا ضروري لضمان العدالة، وهذا هو روح القانون ليسود الحق وليعتدل ميزان العدالة وهي غاية الإصلاح. تطبيق ظاهر النصوص يجافي العدالة يقول المستشار عبدالعزيز عبدالله بن عبيد ـ مستشار قانوني ـ روح القانون كلمة دارجة وتعني لدى البعض تفسير النص القانوني وتنزيله على كل حالة بما يناسبها، وعادةً ما يقل ظهورها في القضاء الإداري لكنها تظهر بوضوح في وقائع وملابسات القضايا الجنائية، ومن خلالها يتم استظهار الأثر النفسي أو المرضي أو الظروف الخاصة لكل واقعة ليستقر في يقين القاضي الحكم الذي يجعل تطبيق النص القانوني محققًا للعدالة الناجزة. الرحمة فوق العدل !! ويرى الدكتور نايف حابس الظفيري ـ المحامي والمستشار القانوني ـ: أن العدالة ليست في نصوص النظام ذاتها، وإنما فيمن يطبق النظام ويفسره ويفطن للمقاصد العليا منه فتحقيق العادالة يتوقف على قدرة القاضي على تفسير النص القانوني تفسيرًا واسعًا لمصلحة المدعى عليه، والنص القانوني يكون عادلًا في تطبيقه عند الالتفات إلى روح ومعاني وألفاظ النصوص والقواعد العامة للأنظمة، فروح القانون هي التي تحرك معاني العدالة في القانون، والرحمة فوق العدل. العبرة بالعدالة وليس النص ؟! ومن جانبه يقول الدكتور سعيد بن علي بن منصور الكريديس ـ أكاديمي ومستشار ومدرب قانوني ـ يتميز أي النظام بالتجريد والعمومية حتى يشمل جميع الوقائع والأشخاص، وهنا قد يظهر جمود النص عكس ما كان يتوقع من مرونته، وعدم مناسبته لبعض الظروف الفردية أو الاجتماعية !! مما يجعل تطبيقه متعسرًا وفيه من العنت والمشقة والظلم ما الله به عليم، لذلك كان لا بد من الوقفة الراشدة لمعرفة هدف النظام وغايته، ومعرفة أن النظام ما هو إلا وسيلة لتحقيق هذه الغاية، ألا وهي العدالة، وهنا تقع المسؤولية على من يطبق النص النظامي، لمعرفة الوسيلة الأمثل لتحقيق العدالة؛ وحيث إن روح النظام إحدى هذه الوسائل؛ بل إنها أحيانًا تفوق النص النظامي في تحقيق الغاية، لذلك نجد المشتغلين في القضاء يلجأون أحيانًا إلى الحيل الشرعية أو القانونية لتحقيق العدالة والخروج من جمود النص النظامي أو قصوره. مذاهب عدة لـ”روح القانون” ؟! ويضيف الكريديس أن منح القضاة سلطة تقديرية في بعض القضايا هو من أجل مراعاة الواقعة القضائية وتقدير ظروفها وملابساتها؛ بهدف تحسين سير العدالة وخروج الحكم الملائم للحق، وقد يتطلب الأمر من القاضي إعمال النظر والاجتهاد لاستنباط غاية المُنظِّم من النص حتى يتلاءم الحكم مع الغاية، وبالإضافة للحيل الشرعية والنظامية والسلطة التقديرية للقاضي التي بينت لنا أهمية تطبيق روح النظام. ما الأضمن للعدالة ؟! يؤكد البروفسور عبد الونيس محمد الرشيدي أن للعدالة جوانب مختلفة يتعيَّن مراعاتها، وهنا ينادي الاجتماعيون بروح النظام وليس نصه، حرصًا على إعطاء المخطئين فرصة ومحاولة لإعادة تأهيلهم اجتماعيًا ونفسيًا منعًا لعودتهم للانحراف (الأحداث المنحرفون على سبيل المثال) وقد تكون سببًا في تأهيلهم بشكل أفضل وفاعل ومنتج، مؤكدًا أن ذلك يجب ألا يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية، ومع القوانين والتشريعات الوضعية المتبعة في المجتمع، وأن يكون تطبيق روح النظام على الجميع في المواقف المتشابهة حتى نضمن تحقيق العدالة. ماذا نقصد بـ “روح القانون”؟! ويؤكد الدكتور أصيل بن ساير الجعيد ـ أستاذ القانون الجنائي ـ أن القاعدة القانونية “لا اجتهاد في معرض النص”، و هذا عند النص القانوني الصريح إلا أنه أثناء عمل القانوني تعترض له حالات يُعمل فيها روح القانون ويقصد بها ماذا أراد المشرع من مقاصد بهذا النص أو القانون بالمجمل؟ لنفهم بدقة ماذا نعني بروح القانون لأن لحالاته وجوهًا عديدة حيث الأمر أشبه ما يكون بنص عام ينظم الجداول الأكاديمية في الجامعات إلا أن المُشرِّع سكت عن طريقة التنظيم؛ لذا روح القانون هنا السلطة التقديرية للإدارة العليا بالجامعة التي تنظم بطريقتها التي تناسبها هذه إحدى الصور؟ وإحدى الصور الأخرى في فرع آخر من فروع القانون هو وقف تنفيذ الحكم الجنائي فالنص الجنائي واضح و صريح بأن فلان مجرم إلا أن القاضي من خلال الاطلاع على ملابسات الجريمة تتضح له أمور أخرى تسمى ظروف مخففة للحكم فيجنح إلى روح القانون ويوقف تنفيذ الحكم ونعني بذلك أنه لن يذهب إلى السجن حسب مدة الحكم فيجلس بتلك المدة مواطنًا أو مقيمًا محترمًا وإذا ارتكب جريمة أخرى خلال فترة إيقاف الحكم يتم تنفيذ مدة سجن القضيتين ضده. الفرق بين روح القانون ونصوصه ؟ ومن جانبه يرى الدكتور تركي بن عبدالله الرجعان ـ أكاديمي ـ أن نص القانون يُعرف على أنه مدونة أو قاعدة أو لائحة أو مبدأ رسمي يجب اتباعه وفقًا للتفويضات أو السياسات الرسمية. باختصار، إنه القانون كما هو مكتوب لكن ما هو أكثر تعقيدًا وغير مقنن هو روح القانون، التي نعرّفها بأنها إجماع اجتماعي وأخلاقي لتفسير نص القانون ونظرًا لأن الأعراف الاجتماعية تعكس عمومًا الإجماع الاجتماعي والأخلاقي، فإن المسافة بين روح القانون ونصوصه يمكن أن تختلف اعتمادًا على الأعراف الاجتماعية السارية في كل مجتمع. متكاملان لا متناقضان !! ويرى الدكتور فهد بن محمود بن أحمد السيسي ـ الأستاذ المساعد بقسم بالجامعة الإسلامية ـ أن الناظر في نصوص القانون ومدى إتاحة تفسيرها من الجهات المعنية بالتفسير فقيهًا أو قاضيًا أو مسؤلًا، سيجد أنها ذات معانٍ ومضامين تتيح لذوي أهلية تنفيذ هذه القوانين قدر من السلطة التقديرية في إعمال القانون نصًا أو روحًا ومن ثمّ تطبيقها قضائيًا فالعلاقة إذًا بين نص القانون وروح القانون ليس بينها فرقًا شاسعا بقدر يجعل الناظر فيها متوقفًا على أحد خيارين، إما إعمال أحدهما أو الآخر، وسبب ذلك – من وجهة نظري – أنه يمكن قيام العدالة بإعمال نص القانون في الحالات الطبيعية وروح القانون في الحالات الاستثنائية، وعليه فإنّ هذا الأمر خاضع لطبيعة الحالة المعروضة ووضعها، فعلى سبيل المثال دائمًا ما نجد في نصوص الأنظمة أو القوانين الجنائية ثمة إحالات لتقدير ظروف تتأرجح بين نص القانون، وإلى اجتهاد القاضي والسلطة التقديرية الخاضعة له، والتي يملك من خلالها إعمال روح القانون فيها دون نصوصها !
مشاركة :