في مسيرته المفتوحة على العمل والدأب والتجدد يسعد المبدع والفنان عموما بتلك اللفتات الاعتبارية التي لا تزيده غير الاصرار على الذهاب عميقا تجاه المغامرة والابتكار ومزيد الابداع، هذا ما يحدث أحيانا وبمبادرات خاصة تذكر فتشكر، وهذا ما حدث مع الفنان التشكيلي الممتاز علي الزنايدي الذي كان عنوان احتفالية ثقافية وفنية وأكاديمية باشراف المدير الفنان والناقد الدكتور فاتح بن عامر وبحضور المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بصفاقس ضمن عنوان لافت وهو "عدنيّات تونسية" حيث انتظم له معرض خاص يضم 45 لوحة فنية بفضاءات المعارض بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني ليتواصل الى غاية 26 من الشهر نفسه. كما أدار الفنان بالمناسبة ذاتها ورشة مفتوحة وذلك الاثنين بساحة المعهد على الساعة العاشرة صباحا حضرها طلبة المعهد وأساتذته وأحباء الفنون وعدد من الفنانين التشكيليين، هذه الأنشطة وغيرها بمثابة المبادرات المهمة للانفتاح على الساحة الثقافية والتشكيلية وتحسب لهذه المؤسسة الجامعية المهمة بصفاقس. تجربة الفنان علي الزنايدي تميزت بثرائها من حيث الثيمات والتقنية والأسلوب وقد شارك الزنايدي في العديد من الفعاليات والمعارض في تونس وخارجها كما أنه أشرف على عديد الهيئات والتظاهرات والورشات الفنية التشكيلية. ويعد الفنان علي الزنايدي واحدا من أبرز التجارب الفنية التشكيلية المعاصرة في تونس والوطن العربي يشتغل على مشهدية تشكيلية وتنوع بين اليومي والتراثي في حالات من شاعرية التلوين والرسم، وبخصوص تجربته نقول ماذا لو تجلت تلك الشذرات المنبثقة من المشهد اليومي والتي هي وحدها المشكلة لهذه التي نسميها الحياة، ماذا يفعل الكائن عندئذ، هل يوقد جمر الكلام وهل يلوذ بالصمت وهل يقطف برتقال اللغة، وهل يمضي الى الصمت يحتفي بالألوان التي تقول ولا تقول، تحاور وتحاول عوالم الأشياء، هي عظمة الأسئلة التي لا تلوي على غير البوح تجاه الذاكرة والحنين وبما يعزز من قوة اللحظة في راهنها وشحنتها وتألقها وتوقها ومركزيتها وهامشيتها وجمالها الأخاذ وفعلها الثقافي، بل الحضاري، نعم ان الألوان تتكلم لتقول، بل تصرخ نشدانا للعين لترى ما به يصير المشهد عنوانا باذخا من عناوين الإبداع والإمتاع في تجليات شتى يلونها السحر والشجن المبثوث بين التفاصيل والأجزاء، ان الفنان يظل يسابق الرياح للقبض على المعاني وكنهها الإنساني والوجداني وألوانها الملائمة في حيز انساني يتسم بالتعميم والتعويم ونثر الضباب لتقليص البون بين الحالة والآلة، نعم الفنان يمضي ديدنه الكشف ومساءلة العناصر والموجودات نحتا للقيمة وتثبيتا لما نسميه السمو، انه السمو بما هو ساحر وجميل وفاتن وهام في حياتنا التي يقف على أرضها المبدعون، الفنانون الذين لا يقنعون بغير النظر تجاه الشمس نشدا للعلو وللقيمة، أليست الشمس مهد الكلمات، والكلمات لباسها الألوان والأصوات والحلم، أنت ، أيتها الألوان الضاجة بالأصوات مثل ناي قديم، يرافقك الطفل وهو يطاردك مثل فراشات من ذهب الأزمنة، لوحات بالألوان وأخرى بالخطوط ، والكولاج بخبرة الفنان ليصبح وجها من وجوه اللوحة جماليا ، كل ذلك وفق ايقاع فني عرف به علي الزنايدي وراح ضمنه يطور أساليب العمل والبحث والابتكار، والزمن في كل ذلك اطار متحرك ومفتوح. نعم، هكذا هو التجوال في بستان الزنايدي الفني، لتبرز القيمة والعلامة في تجربة فنان تونسي رأى في اللوحة اطارا حرا وفسيحا لمحاورة الذات والآخرين والعالم، .من حي باب الفلة وفي أجواء نهج السبخة بهدوئه وناسه الطيبين وأزقته الشاسعة بالمحبة، والشجن كانت الخطى الأولى حيث الطفل المتوغل في مسارب اللون والعبارة المرسومة على الملامح وفي الوجوه، من صحن الدار العربي ولمعان الجليز والأصوات المنبعثة من السوق حيث الأمتار القليلة الفاصلة عن المدينة العربي. من كل هذا وغيره بزغت فكرة الذهاب الجمالي في التعاطي مع القماشة منذ السبعينات، هي الرحلة المفتوحة الى الآن، على الفن بما هو المحبة وكذلك الشجن، تجربة بينت عمقها وأصالة عناوينها لتبرز قوية وهمة في تونس والوطن العربي عموما الى جانب تجارب أخرى. من هذا الباب الذي سميناه الحلم، ألج عوالم أحد هؤلاء الفتية المأخوذين بالفن بما هو الحلم الذي تتعدد تيماته، حيث البساطة التي تصول وتجول في الدروب، الشوارع والأحياء والمدن، والبساطة هي أصعب أعمال الفنان، الفتى هو الفنان الكبير علي الزنايدي الذي اتخذ لفنه نهجا مخصوصا ضمن تجربة امتدت لأكثر من أربعة عقود تميزت بدأبها الجمالي وجديتها من حيث العمل على رصد الجميل في الحياة التونسية، المدينة وعناصر حيويتها وحركتها المفتوحة على شتى العناوين والألوان. هناك حميمية فارقة تطبع أعمال الزنايدي منها الحكاية المبثوثة في العمل التشكيلي بما بجعله يتجاوز القماشة الى فضاءات أخرى منها الذات المتقبلة وما تزخر به من كيانات وأحاسيس الأمر الذي يحدث ذلك التفاعل الوجداني والجمالي ليصير ضربا من الثقافة البصرية المتشبثة بالأصيل والحديث لتجعل منهما جناحين للشخصية التونسية الآن وهنا. هذا الأمر يرافق أعمال الفنان التشكيلي علي الزنايدي في مختلف معارضه السابقة والحديثة سواء في تونس أوخارجها، وهذا ما نلمسه في لوحاته، مسحة من التجديد وعناوين شتى وتقنيات مختلفة كانت في اللوحات لتعبر عن هذا النسق الجمالي المتجدد عند الزنايدي وهو ينظر تجاه العناصر المختلفة يحاولها ويحاورها ضمن القول بالتعاطي الثقافي والفكري والوجداني معها. الفنان علي يسعى لتقديم أعمال ضمن عنوان المشهدية في أشكالها المختلفة لنشاهد على اللوحات حالات من الحكايات فيها البانوراما وفيها المواضيع المحددة ولكنها تحتفي بذاتها بعيدا عن الاجترار حيث الألوان الدالة على الأعماق العربية الاسلامية والعلامات التونسية المستلهمة في الحياة الومية، حيات تنبض حركة، وتدرج في الموضوع للوصول الى بنورامية الحالة، هكذا هو التجوال في بستان الزنايدي الفني، لتبرز القيمة والعلامة في تجربة فنان تونسي رأى في اللوحة اطارا حرا وفسيحا لمحاورة الذات والآخرين والعالم وفق ايقاع تشكيلي هاجسه التجدد ومزيد التوغل في البيئة الثرية ، البيئة التونسية بحكاياتها وأشجانها وبمختلف رموزها وعلاماتها ولا شيء سوى نشدان الامتاع والابداع، قولا بالعذوبة، والسحر والجمال الوجداني والمكاني المبثوث في الحالة وهي في عنفوان بهائها النادر. هناك عشق مبثوث في تفاصيل الأعمال، هوعشق البيئة الغنية والمتنوعة، الغنية بثقافتها والمتنوعة في ممكنات التأويل. ان الفنان علي الزنايدي يستبطن جيدا جغرافيا المدينة ودلالات ألوانها وعطورها من حكايات وذاكرة ومناسبات وعلامات وتقاليد. ان أسلوب الزنايدي اتخذ خطه الخاص به حيث المفردة التشكيلية لا تلوي على غير القول بالعمق المرادف للبساطة وفق عنوان عام هو حميمية الفهم لحظة النظر حيث تنعدم حالة الانبهار تجاه الفنان والانسان، انها فقط لحظة ارضاء الذات التي يحتشد فيها ذاك التراكم الثقافي والوجداني والشعبي بمعناه العميق، وهنا تشتغل قدرات الزنايدي، لتواصل سيرها نحوالآفاق الرحبة التي يمنحها الفن، لوحات بالألوان وأخرى بالخطوط، والكولاج بخبرة الفنان ليصبح وجها من وجوه اللوحة جماليا. بادرة ثقافية فنية ضمن سياقات من الفعاليات المتميزة بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وفق تفاعل المؤسسة على الحيز الابداعي الفني والجمالي الوطني من خلال التجارب والرموز.
مشاركة :