مع الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم

  • 11/19/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي كلما‭ ‬قرأ‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬قراءة‭ ‬عمودية‭ ‬وحفر‭ ‬في‭ ‬المعاني‭ ‬اقترن‭ ‬بهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬اقترانا‭ ‬فكريا‭ ‬يقوده‭ ‬إلى‭ ‬اقتران‭ ‬روحي،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬حلاوته‭ ‬إلا‭ ‬الحفّارون‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعاني‭ ‬والدلالات،‭ ‬فالهداية‭ ‬وطلبها‭ ‬ممثلة‭ ‬بالصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬السابقة‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬لغاية‭ ‬أسمى‭ ‬ومآل‭ ‬ليس‭ ‬بعده‭ ‬مُراد‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أصحاب‭ ‬الجنة‭ ‬‮«‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬هدانا‭ ‬لهذا‮»‬‭ ‬43‭ ‬الأعراف،‭ ‬وهل‭ ‬بعد‭ ‬الجنة‭ ‬مسعى‭ ‬للإنسان‭ ‬يرنو‭ ‬إليه،‭ ‬ففعل‭ ‬الهداية‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬الإرشاد‭ ‬والدلالة‭ ‬والتبيين‭ ‬والإلهام،‭ ‬مثلها‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم،‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأسلم‭ ‬والأقوم‭ ‬للغاية‭ ‬الأسمى‭.‬ وعليه‭ ‬فإن‭ ‬الفعل‭ ‬‮«‬هدى‮»‬‭ ‬قي‭ ‬الكتاب‭ ‬مُتعد‭ ‬بنفسه‭ ‬‮«‬إنا‭ ‬هديناه‭ ‬السبيل‭ ‬إما‭ ‬شاكراً‭ ‬وإما‭ ‬كفوراً‮»‬‭ ‬3‭ ‬الإنسان،‭ ‬وقد‭ ‬يأتي‭ ‬مُتعديا‭ ‬بـ«إلى‮»‬‭ ‬كقوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬وإنك‭ ‬لتهدي‭ ‬إلى‭ ‬صراط‭ ‬المستقيم‮»‬52‭ ‬الشورى،‭ ‬وأحياناً‭ ‬يتعدى‭ ‬بـ«اللام‮»‬‭ ‬كقوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬هدانا‭ ‬لهذا‮»‬‭ ‬43‭ ‬الأعراف،‭ ‬وما‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬للحالات‭ ‬إلا‭ ‬لتبيان‭ ‬العلة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬والتي‭ ‬تتلخص‭ ‬بأنّ‭ ‬التعدية‭ ‬بالحرف‭ ‬تأتي‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الصراط‭ ‬‮«‬فاحكم‭ ‬بيننا‭ ‬بالحق‭ ‬ولا‭ ‬تُشطط‭ ‬واهدنا‭ ‬إلى‭ ‬سواء‭ ‬السبيل‮»‬‭ ‬وحضور‭ ‬فعل‭ ‬الهداية‭ ‬بنفسه‭ ‬يكون‭ ‬لمن‭ ‬في‭ ‬الصراط‭ ‬ولمن‭ ‬خارج‭ ‬الصراط،‭ ‬ولأن‭ ‬الهداية‭ ‬على‭ ‬مراتب‭: ‬منهم‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬الصراط،‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬الهداية‭ ‬مُعداة‭ ‬بالحرف‭ ‬‮«‬إلى‮»‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تبصره‭ ‬وتبصير‭ ‬أكثر‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬يضل‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الطريق‭.‬ ولأن‭ ‬‮«‬اللام‮»‬‭ ‬غائية‭ ‬أي‭ ‬تعليل‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬الحدث‭ ‬فإنها‭ ‬جاءت‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬آنفاً‭ ‬في‭ ‬الأعراف‭ ‬مع‭ ‬الغايات‭ ‬النهائية‭ ‬ومن‭ ‬المُلاحظ‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقترن‭ ‬بالصراط‭ ‬كوسيلة،‭ ‬‮«‬قل‭ ‬الله‭ ‬يهدي‭ ‬للحق‮»‬‭ ‬35‭ ‬يونس،‭ ‬‮«‬إن‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬يهدي‭ ‬للتي‭ ‬هي‭ ‬أقوم‮»‬‭ ‬9‭ ‬الإسراء،‭ ‬‮«‬يهدي‭ ‬الله‭ ‬لنوره‭ ‬من‭ ‬يشاء‮»‬‭ ‬35‭ ‬النور،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحظة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الغايات‭ ‬أسندها‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ ‬العلية‭ ‬وإلى‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬فقط‭.‬ العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الآية‭ ‬‮«‬اهدنا‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‮»‬‭ ‬في‭ ‬الفاتحة‭ ‬وبين‭ ‬الآية‭ ‬‮«‬والذين‭ ‬اهتدوا‭ ‬زادهم‭ ‬هدى‮»‬‭ ‬17‭ ‬محمد،‭ ‬تكاملية‭ ‬لضرورة‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬القصوى،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العبد‭ ‬مفتقر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬وكل‭ ‬حالة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬البدء‭ ‬وأثناء‭ ‬السير،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬غِنى‭ ‬لأحد‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬السالكين‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬المآل‭ ‬المنشود‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬لُب‭.‬ هذا‭ ‬الطلب‭ ‬للهداية‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬بالمعنى‭ ‬عن‭ ‬بدايات‭ ‬السورة‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬رب‭ ‬العالمين‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬معاني‭ ‬الرب‭ ‬‮«‬المُربي‮»‬‭ ‬والمربي‭ ‬أهم‭ ‬مهامه‭ ‬الهداية،‭ ‬ولها‭ ‬ارتباط‭ ‬كذلك‭ ‬بـ«الرحمن‭ ‬الرحيم‮»‬‭ ‬فالذي‭ ‬يهديه‭ ‬الله‭ ‬للصراط‭ ‬بالضرورة‭ ‬قد‭ ‬رحمه‭ ‬بتلك‭ ‬الهداية،‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بـ«إياك‭ ‬نعبد‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الهداية‭ ‬الربانية‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬العبودية‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬تصح‭ ‬العبادة‭ ‬الصحيحة‭ ‬إلا‭ ‬بالاستعانة‭ ‬به‭ ‬جلّ‭ ‬شأنه‭ ‬على‭ ‬الهداية‭ ‬والتثبيت‭.‬ من‭ ‬بدائع‭ ‬وعجائب‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬اختيار‭ ‬كلمة‭ ‬الصراط‭ ‬تحديداً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬السبيل،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الصراط‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الاشتمال‭ ‬والسعة‭ ‬ولا‭ ‬يضيق‭ ‬بأحد،‭ ‬مهما‭ ‬كثُر‭ ‬السالكون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراط،‭ ‬بينما‭ ‬تخلو‭ ‬مفردة‭ ‬السبيل‭ ‬والطريق‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬الاشتمال‭ ‬والرحابة‭.‬ وجاء‭ ‬الصراط‭ ‬مفرداً‭ ‬ومعرفا‭ ‬بتعريفين‭ ‬وموصوف‭ ‬بالاستقامة،‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬صراط‭ ‬واحد،‭ ‬وكونه‭ ‬مستقيما‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أقصر‭ ‬الطرق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الغاية‭ ‬القصوى،‭ ‬بخلاف‭ ‬الطريق‭ ‬المُعوج‭.‬

مشاركة :