المواقع التاريخية بالسُعودية تجد اهتماما خاصاً من الجهات المعنية؛ لما تملكه من مقومات جعلتها واجهات سياحية يقصدها الكثير من السكان والزوار؛ بهدف التعرف على معالمها والاستمتاع بمناظرها الساحرة، ولعل من أبرز هذه المواقع التاريخية، جبل قارة الذي يقع وسط واحة محافظة الأحساء شرق المملكة، وتحديداً بين أربع قرى هي بلدة القارة، والتويثير، والدالوة، والتهيمية، كما يبعد عن مدينة الهفوف العاصمة الإدارية للمحافظة مسافة لا تتعدى الـ12 كم. يتميز الجبل الذي تبلغ مساحة قاعدته حوالي 14 كيلومتراً مربعاً بأن صخوره الرسوبية، تميل إلى اللون الأحمر، ومغطاة بالحجر الرملي الكلسي، كما يحوي مغارات ذات صفات طبيعية ومناخية؛ حيث تكون الأجواء فيها من الداخل باردة صيفاً ودافئة شتاءً، ما جعل السكان المحليين، وكذلك الزوار يقصدونها للاستمتاع والجلوس فيها. أجمع الجيولوجيون، والباحثون على أن العوامل الرئيسية لتشكل مغارات الجبل، ناتجة عن عمليات الإذابة والتأكل التي تعرضت لها الصخور منذ آلاف السنين، إلى وقتنا الحالي، كذلك انهيارات الطبقات العليا للجبل، بسبب التصدعات الزلزالية، هذه الظروف المناخية، ساهمت في تشكيل تشققات صخرية تحولت مع مرور الزمن إلى ممرات، مستقيمة داخل هذه المغارات بحيث يصل عددها حالياً إلى 28 ممراً، بطول قد يصل إلى 1.5 كلم، وقد أصبحت هذه الممرات ممشى يتنقل فيها الزائر بين المغارات. حظي الجبل باهتمام كبير من قبل الجهات المعنية؛ إذ شهد العديد من عمليات التطوير التي عززت مكانته كمعلم سياحي قديم-جديد، طيلة السنوات الماضية، ولعل أبرز مراحل تطويره، كانت بعد ضم واحة الأحساء في لائحة التراث العالمي عام 2018م؛ حيث صار مرفقاً يقصده كل زائر أو عابر سبيل يمرّ بالأحساء، من أجل أن يمنحهم الوقت الكافي لاستطلاع ماضيه وما يكتنزه من حكايات. تعتبر مغارة أرض الحضارات التي كانت تعرف في السابق "بمغارة النشاب"، أشهرها، لما تملك من مقومات طبيعية، ما جعل الجهات المعنية تعمل على تهيئتها من أجل تحويلها إلى مرفق سياحي، يقصده الزائرون، من خلال وضع الإنارات بداخلها، وكذلك تسوية أرضيتها، وهذا التطور أسهم في إقامة العديد من الفعاليات الأسبوعية، والأمسيات الثقافية والموسيقى، والفنون التشكيلية والعروض البصرية. تقع هذه المغارة، في الجهة الغربية للجبل، ففيها تنظم الفعاليات المصاحبة للزواج الجماعي الذي يقام سنوياً في قرية القارة، كما تضم متحفاً عن تاريخ هجر (الاسم القديم للأحساء)، ومسارح متدرجة ومقاهي حديثة، ومحلات تجارية. عند الصعود لقمة جبل قارة، من أي جهة من جهاته يظهر واحة الأحساء التي تتميز بلون الزمرد، التي تحيط بها رمال الصحراء، وفي داخلها معظم أشجار النخيل الموجودة في المحافظة، والتي يُقدّر عددها بنحو ثلاثة ملايين نخلة. وعند رؤية هذا المنظر المذهل، سيكتشف الزائر كيف استطاعت القرى التي تقع بقرب الجبل، والتي يعود تاريخ بعضها إلى نحو 5000 سنة قبل الميلاد أن تديم فيها الحياة فيها، إلى وقتنا الحالي.
مشاركة :