الأنانية والإيثار.. بين الغريزة والحرية..!!

  • 11/10/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الأنانية والإيثار, هما من القضايا الأخلاقية التي نالت حظاً وافراً من الدراسة والبحث في تاريخ الفكر الفلسفي والأخلاقي, كما حظيت بعناية بالغة من الأديان السماوية, ذلك أنها في نهاية الأمر مرجع للسلوك الأخلاقي وتجربة أخلاقية هامة, والأنانية يُعبر عنها بالأثرة, أي أن يُؤثر الإنسان نفسه على الآخرين, وترجح لديه صفات الزهو والكبرياء, والخيلاء, والجشع, والمبالغة في حب الذات, وحب التسلط والهيمنة, وهي كلها صفات منافية للقيم الأخلاقية السامية, وتشحن العلاقات الإنسانية بالتنافر والبغضاء والصراع, أما الإيثار فهو دليل على التواضع والسخاء, والكرم, والتضحية, وحب الآخرين, والنزاهة, والإخلاص, وهي كلها صفات تجمع الفضائل الأخلاقية, وتعزز العلاقات الإنسانية, وتجعلها أكثر تماسكاً, وتسودها المحبة والإخاء والتعاون. ولهذا فالأشياء تُعرف بأضدادها «كما يقال», فالأنانية تعني الاهتمام بالمصلحة الذاتية بعيداً عن مصلحة الآخرين, في حين يعني الإيثار تجاوز الذات إلى الآخرين, ليس في الاهتمام بمصالحهم فحسب, بل في البذل والعطاء والحب, وتتوجها جميعاً التضحية, لذلك يكون الإيثار أقصى درجات السلوك الأخلاقي الأمثل. الأنانية والإيثار في تدافع مستمر ودائم, كل ما برزت احداهما كل ما كان ذلك على حساب الأخرى, في خط ممتد بين الطرفين, ولكن ليس بصفة متساوية, إذ تبقى الأنانية هي الحاصلة على النصيب الأوفر من النسبة, ذلك أن الأنانية ناجمة عن غريزة حب الذات وليس غيرها, في حين ينجم الإيثار عن التربية والتمسك بالقيم وتأثير البيئة والعادات والأعراف والتقاليد, والأهم هو تأثير الوازع الديني, ودرجة الوعي والثقافة, ويتميز الإيثار أنه – في الغالب – ينبع من الحرية ولا يتأثر بالخوف من العقاب إلا في حدوده الضيقة. إن ذلك لا يعني أن يلغي الإنسان نفسه «أو أنانيته» تغليباً لعاطفة الإيثار, أو أن يقوم بالدور حول نفسه فقط ؛ لأن ذلك لا يستقيم مع مصلحة الإنسان في الحياة ولا مع مصلحة الآخرين, يرى أصحاب مذهب التطور, أن التوفيق بين العاطفتين هو الحل الأمثل للمحافظة على مصلحة الإنسان من جهة ومصلحة الآخرين «أي المجتمع» من جهة أخرى, وهو رأي يحمل كثيراً من الصواب؛ ولكنه يحاول استبعاد الجانب المعنوي والروحي في السلوك الأخلاقي الذي يجعل إمكانية تعزيز عاطفة الإيثار تبلغ أقصى درجة ممكنة في السلوك الإنساني, ولعل المقصود أن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو التوفيق بين عاطفة الأنانية و بين عاطفة الإيثار. نصل من كل ما سبق إلى القول: بأن الأنانية عاطفة ضرورية, لا يستطيع أي إنسان أن يدعي بأنه لا يهتم بها وأنه لا تحركه في كثير من تصرفاته وسلوكه, لأن الأنانية دافع مشروع, ولا بد منها لكي يحيا الإنسان حياة تمده بالآمال والطموحات وبالحوافز والتشجيع, ولكنها ما تلبث أن تصبح ضرراً ماحقاً, إذا ما تجاوزت حدوداً معينة لتلحق أضراراً مادية ومعنوية بالآخرين «أي بالمجتمع», وتحيل العلاقات الإنسانية في المجتمع إلى علاقات عدوانية. لقد وضعت الأديان وكل الدعوات الإصلاحية والمذاهب الفكرية حدوداً للأنانية بعضها واضح, وبعضها الآخر غير واضح, وتكون مهمة التشريعات والأنظمة والقوانين وضع الضوابط لكل من تتجاوز أنانيتهم تلك الحدود, ليس ذلك فحسب, بل يجب أن تتضمن المناهج التربوية والبرامج التوجيهية والإرشادية ما يكفل أن تغرس في أعماق الإنسان قيم احترام تلك الحدود, وحض الإنسان وحثه على الإيثار بالقدر الذي يكون المنهج قادراً على التأثير المعنوي والروحي في الإنسان. إن شأن الإنسان فيما يتصل بالأنانية والإيثار, شأنه في القضايا الأخلاقية الأخرى, فعليه أن يسلك سلوكاً نسبياً بدافع من العاطفتين, وإن كان في الغالب يسلك بدافع من الأنانية, ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان الإنسان بحاجة إلى الجهد المضني من التعاليم الدينية والدعوات الإصلاحية, ومن المتاعب الفكرية والاقتصادية, ولما كان كذلك بحاجة إلى تشريعات وأنظمة وقوانين, تنظم علاقاته وسلوكه وتصرفاته. الأنانية عاطفة على درجة كبيرة من الخطورة إذا ما بلغت حد الإضرار بمصلحة الآخرين, بسبب ما تحدثه من النتائج التي تؤثر سلباً على العلاقات الإنسانية, وللأنانية – كما هو الحال بالنسبة لعاطفة الإيثار أيضاً – مظاهر كثيرة ومؤثرة في تعاملنا اليومي, كأن تكون رغبة الاستحواذ لدى الشخص دافعاً له لأن يكون نصيبه أكثر من الآخرين مظهراً بارزاً من مظاهر الأنانية.. إن عاطفة الأثرة «أي الأنانية» وعاطفة الإيثار ترتبطان بالحرية والغريزة, فكلما أوغلت الأنانية في الإفراط كل ما كان ذلك ناجماً عن تأثير الغريزة, وكل ما كانت عاطفة الإيثار قوية لدى الإنسان, كل ما كان ذلك دليلاً على أنه يمارس الحرية, ولهذا فالأنانية ترتبط بالغريزة بينما عاطفة الإيثار ترتبط بالحرية التي تنبع من أعماق الإنسان بعيداً عن العقاب أو الخوف منه. من المعروف بأن الأنانية سلوك غريزي لدى الحيوان, بدونه لا يستطيع أن يتجاوز ذاته, لأن غريزته تتولى هدايته إلى توفير غذائه ومشربه والحذر من المخاطر, والاستعداد للدفاع عن النفس, ومن ثم فإنه لا يتجاوز هذه الحدود, وأنه لا يدرك – مثلاً – أن الآخرين من أمثاله يحتاجون هم أيضاً إلى غذاء وأن عليه أن يراعي ذلك, وهو ما يعني أنه يعارض هذا السلوك عمداً, وأنه يسلك وفقاً لما توجهه إليه غريزته. والإنسان باعتباره حيوانا ناطقا له غرائز يشارك الحيوان فيها, ومنها هذه الأنانية, فليس هناك ما يثير العجب, بل ان الأنانية لدى الإنسان أكثر وضوحاً وبروزاً منها لدى الحيوان, ذلك أن هذا العجب لا يلبث أن يزول, إذا ما أدركنا أن الأنانية بالنسبة للإنسان أنانية واعية, مقصودة ومتعمدة, في حين أنها لدى الحيوان – كما أسلفنا – سلوك غريزي بحت.

مشاركة :