يواصل الموثق والباحث الأكاديمي البروفيسور علي محمد هادي الربيعي حامل راية التوثيق المسرحي في العراق في المرحلة الراهنة، تقديم المنجز تلو المنجز في تعقب آثار المسرح العراقي بمختلف تمظهراته وتجلياته المتنوعة، دون أن يتوقف عن البحث والتقصي والتوثيق لعطاءات وابداعات المسرحيين العراقيين على مدى عقود عدة وفي مختلف الإتجاهات. حيث تجاوز ما قدمه من إصدارات في هذا الاتجاه أكثر من ثلاثين مؤلفاً أغنى بها المكتبة المسرحية والعراقية والعربية، ونالت الإهتمام من المعنيين والمهتمين والباحثين والدارسين في تاريخ المسرح العراقي. المنجز التوثيقي الجديد لهذا الباحث المتمرس تمثل بكتاب (وثائق المسرح العراقي في دائرة السينما والمسرح)، وصدر عن مهرجان بغداد الدولي الثاني للمسرح الذي أقامته دائرة السينما والمسرح تحت شعار (لأن المسرح يضيء الحياة) للمدة من 20 ولغاية 26 تشرين الثاني 2021، وجاء بواقع 550 صفحة من القطع الوزيري. وضم أحد عشر فصلاً بوبت وفق المنجز المسرحي السنوي في العراق، في حين كرس الفصل الحادي عشر للتقارير الخاصة بمنتدى المسرح، وسبقتها مقدمة وافية ولحقها ملحق بالصور. حسناً فعلت دائرة السينما والمسرح ممثلة بمديرها العام د. أحمد حسن موسى في تبني إصدار وطباعة هذا الكتاب التوثيقي المهم، بعد انقطاع طويل عن مثل هذه المؤلفات الرصينة التي دأبت على إصدارها الدائرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وآخرها المؤلفات التي أصدرتها على هامش الدورة الأولى لمهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي عام 2012. وكان لي شرف الإسهام في إصدار عدد منها يوم كنت مديراً للعلاقات والإعلام فيها، وكانت لأسماء مهمة في المشهد الثقافي عامة والمشهد السينمائي والمسرحي خاصة، وطبع بعضها خارج العراق بالتعاون مع (المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت)، ومنهم الباحث الراحل أحمد فياض المفرجي، والباحث الراحل علي مزاحم عباس، والناقد السينمائي رضا الطيار، والناقد السينمائي يوسف يوسف، والناقد الجمالي د. عقيل مهدي يوسف، والناقد السينمائي مهدي عباس، وغيرهم، لينضاف اليهم أخيراً الباحث المسرحي أ.د.علي محمد هادي الربيعي بكتابه الأخير مدار بحثنا.. في تقديمه للكتاب أكد المدير العام د. أحمد حسن موسى "نقدم اليوم الى القراء والمهتمين بالمسرح العراقي الجهد التوثيقي المهم (...) الذي أعاد الى الواجهة وثائق منسية تؤشر الى حقبة مهمة من حقاب المسرح العراقي تميزت بثرائها، وفي الوقت نفسه تدلل على ازدهار السينما والمسرح في مدة البحث". في هذا الكتاب جمع الباحث الربيعي بعد تدقيق وبحث وتمحيص وترتيب زمني ومهني متواتر ورصين، "التقارير الدورية التي درجت المؤسسةُ العامة للسينما والمسرح (كما كانت تسمى آنذاك) وعبر مركز الأبحاث والدراسات التابع لها والذي أسس سنة 1973، على إصدار التقارير الدورية عن النشاطات المسرحية والسينمائية في العراق بوصفها المؤسسة الموكول لها مقود النشاط المسرحي في العراق، وتحقيقًا لما طلبته منها المنظمةُ العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية. وقد صدر التقرير الأول في سنة 1976 متضمناً معلومات أولية متواضعة عن النتاجات التي عرضتها الفرق التمثيلية والمؤسسات الفنية في العراق، واستمر مركز الأبحاث بإصدار هذه التقارير الدورية حتى سنة 1985( ..)". وافاد"انتهج الكتاب لهذه التقارير نهجاً رصيناً يقوم على جمع المعلومات وتنقيتها وتدوينها.وجرت العادة على وضع إستمارة إحصائية تضم المفردات التي يسعى التقرير الى التعرف على إجابات عنها، ابتداءً من عنوان المسرحية واسم مؤلفها أو معدها ومترجمها والمخرج والممثلين والتقانيين. علاوة على ذلك، ضمت الإستمارة إسم الفرقة أو الجهة التي عرضت النتاج، وإسم الصالة والكلفة الإنفاق والإيرادات، وإنتهاءً بعدد المشاهدين وأيام العرض وأماكن تقديمه ". وحسب الربيعي الكتاب "يأتي إستجابة لداعيين: أولهما، أن هذه التقارير الدورية الشاملة إكتسبت مع مرور الأيام أهميتها وأصبحت وثائق مهمة يمكن أن يركن إليها الباحثون عن حيثيات المسرح العراقي وخباياه، فهي شاهدة على حقبة ممتازة من حقباته، عُرفت بِمكانزها على صعيدي الكم والنوع، وليس من السهولة على الباحثين الآن الوصول الى هذه الوثائق بيسر فهي قد فُقدت في أحداث سنة 2003 ضمن مفقودات دائرة السينما والمسرح التي تعرضت آنذاك الى التدمير والخراب بفعل الإجتياح الأمريكي الى العراق". أما الداعي الآخر، فإن هذه التقارير - حسب الربيعي - كانت لمدة عقد من الزمن 1976 – 1985، وتوالى على تدوينها العديد من الموظفين المجدين الذين كانوا يلهثون وراء المعلومات وجمعها وتحصيلها وتبويبها، ومحاولة جمعها في كتاب بعينه. وجاء هذا الكتاب ليكون "بمثابة المكافأة التي نزجيها لصنيعهم الثري، الذي أنفقوا فيه مجهودات بالغة وصرفوا فيه أوقاتا، وهم: أحمد فياض المفرجي وعلي مزاحم عباس وستار عبدالله وعبدالحسين ابراهيم العطية." مؤكداً "هذه التقارير تعد – الآن - علامة فارقة تثري هوية المسرح العراقي وتزيد سجلاته عددًا، وخصوصاً تلك النشاطات المسرحية التي قدمت في المحافظات العراقية وطواها النسيان، وتؤ شر إلى جزء من منجزات المؤسسة العامة للسينما والمسرح الزاهية والباذخة طوال عقد من الزمن ". لم يكتف الربيعي بما ورد في هذه التقارير من معلومات فاستكملها، "بوضع هوامش تعريفية وتوضيحية وتصحيحية، في المواطن التي استشعر بأن المعلومات الواردة فيها بحاجة الى سعة في تسليط الأضواء عليها"، فجميع الهوامش الماثلة في الكتاب كانت من وضعه بهدف وضع صورة كاملة أمام الباحثين والمعنيين، وهو جهد يشكر عليه وكان قد اعتمده في جميع ما أنجزه من كتب نظيرة مستدعياً أصول ومنهج البحث العلمي الرصين الذي عرف به. في هذه الجزئية يحيلنا البروفيسور الربيعي الى حقيقة أن هذه التقارير (الوثائق) الواردة في الكتاب "لم تأت على بيان واقع المسرح العراقي بكافته في السنوات المؤشرة 1976 – 1985، ومن خلال رصده لوقائع المسرح وجد العشرات بل المئات من المسرحيات التي قدمت في عموم المدن العراقية لم تدرجه هذه الوثائق معللا عدم تدوينها يعود الى تقاعس الفرق المسرحية وكسلها في إيصال بياناتها الى الموثقين، أو صعوبة تواصلها مع مركز الابحاث والدراسات وتزويده ببياناتها مما فوت عليها فرصة التوثيق. أخيراً .. كل الأمل في أن تتعاون دائرة السينما والمسرح مع الباحث علي محمد هادي الربيعي لإصدار كتاب مماثل عن التقارير السينمائية (المفقودة أيضاً) للسنوات ذاتها، التي دأب مركز الأبحاث والدراسات على إصدارها في المدة ذاتها، لتكتمل حلقات النشاط الإبداعي للدائرة، التي أكد لنا الربيعي، وهو يهدينا نسخة من كتابه المهم هذا، توافرها لديه لاسيما أن الدائرة تستعد لعقد مهرجان (أيام السينما العراقية) ولابد من تعضيدها بمثل هذا الإصدار، حيث المعنيون والمهتمون بالسينما العراقية بأمس الحاجة اليه.
مشاركة :