الفكر على مذبح الجهل والمصالح الذاتية

  • 12/13/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دعونا نتفق اليوم على أن هناك أزمة في التفكير النقدي، بل والأخلاقي أيضًا، فمن أجل الاندماج ما بين العامة من الجماهير وتأمين رضاهم وتقبلهم، نحن مستعدون للتضحية بأي شخص على مذبح الجهل والمصالح الذاتية!. قال المفكر جيمس كارول: «إننا نتستر على أنفسنا في اللامبالاة الباردة بالمعاناة غير الضرورية للآخرين - حتى عندما نتسبب في ذلك»، إنه شيء مخجل للغاية أن نسمح لأنفسنا أن نقع في قبضة الجهل والنرجسية بكل سهولة ودون أي مقاومة! فنحن لا نشارك فقط، بل أيضًا نحرص وبكل حيوية وانتشاء على المساهمة في انتشار الهجمات الإلكترونية على الآخرين، ونقنع أنفسنا بأننا نساهم في حملة إنسانية، لا ننظر إلى أي من هذا بشكل مباشر على أنه مدمر أو قاتل لأن الشعور بالذنب الناتج عن ذلك ينتهك إحساسنا بأنفسنا كأشخاص «طيبين»، بمعنى لا ضرر ببضع من الكلمات أو الصور المسيئة؛ كيف يمكن لها أن تُلحِق مثل هذا الحجم من الضرر «لنا»؟!... البحث عن الرضا والتقبل لدى المجاميع أعمانا حتى عن التقصي والتأكد، وحب الذات وحب الظهور جعلنا نركب أي موجة حتى ولو كان الأمر عن جهل ونقص في المعرفة، وبهذا نخسر إنسانيتنا قبل أن يخسر الآخر!، وربما أكثر مما نتصور حين نتجاهل تعاليم ديننا الحنيف خاصة فيما جاء في الآية 6 من سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). لمن ينجرف خلف التيار، أقول استيقظ من سباتك، وراجع تاريخك، هل تتذكر من كنت قبل اهتمامك بقبول الغرباء لك؟، ما الذي كان يعجبك وما الذي كنت لا تطيقه؟ من كنت ومن أنت الآن... وكم حلم تخليت عنه وما هو حجم الخسارة؟. إن السعي وراء الظهور كما يريد الغير لنا يكلفنا الكثير لو أننا فقط ندرك حجم ذلك، فنحن نسعى لأن نكون محبوبين بالرغم من الواجهة التي نعكسها: «لا يهمني ما يعتقده الآخر عني»! ما نريده هو أن يؤمن الناس من حولنا بأننا صالحون، مفكرون، مثقفون، ناشطون في كل القضايا التي تظهر على السطح، وبدلًا من أن نُظهر حقًا ما يدور في أذهاننا ننصاع للرأي العام ونسمح له بأن يديرنا، أدمنا التفاهة لدرجة أننا متى ما قابلنا الفكر لم يعد لدينا القدرة على التعمق للفهم والتدبر. مستعدون أن نُصدق ما لا يُعقل، أن ننشر الأسرار، أن نشارك في التشهير، ونشر الأكاذيب، فقط من أجل المباهاة والمزايدة لجذب الانتباه، وبدلًا من وضع قواعد أساسية للتحكم في مساحتنا الشخصية وقيمنا ومبادئنا، نصبح مسالمين، مُجرد لبنة طرية جاهزة للتشكيل حسب إرادة الأغلبية؛ نرفع من يريدون ونقصف الأرض بمن يعادون، نضحك على النكات المسيئة ونتداول الشائعات دون أي وخز من الضمير!. غضب العامة يرعبنا! ولهذا نجاريه في الاستهزاء حتى ولو كنا نجهل أصل القضية، نخاف من الرفض وأصبحنا وكأننا نسير في حقل من الألغام!. نشتري القهوة الغالية لنتصور معها، ونذهب إلى أماكن لا نرتاح فيها ونُظهر بأننا في منتهى السعادة؛ نبتسم رياءً ونضحك تملقًا، نجامل فيما لا يعجبنا، ونهب من لا يستحق أكثر مما يستحق، نتراجع ونلين حتى لا يقال إننا رجعيين أو متخلفين، بل نعطيهم الحق بأن يعتدوا علينا دون أي مقاومة منا فقط من أجل نيل رضاهم وتأييدهم لنا وقت الحاجة، فالأمر لا يخلو من توصية هنا أو «لايكات» هناك! ما هي ردة فعلنا حين يتم تجاهل إنجازاتنا من قبل مديرينا أو رؤسائنا؟، كيف نتصرف حين نكتشف غش وضحالة مفكر أو مثقف أو اعلامي؟، كيف نواجه من تخلى عنا في الأزمات؟ هل نتحدث ونُظهر لهم ما نشعر به، هل نجعلهم يدركون فداحة ما قاموا به؟!. بات المطلوب عند التفكير أن نُحضِّر معه التفسير والشرح لمن لا يفهم، وأن نستجدي صكوك التبرئة ممن لا يفقه!، وإن حدث، لا سمح الله، واتخذنا قرارات مستقلة، فلننتظر العاصفة. فإن كتبنا يجب أن يكون على شكل «التيك أوي: سفري» حتى يتم الاستيعاب، ولا ننسى أن نستأذن قبل اختيار الأسلوب وحتى نوعية الرسالة، فغالبية أفراد المجاميع أخصائيين في البحث العلمي والنقد والأدب وحتى الفلسفة... لنتذكر أن الفكر ليس الهدف، بل ما يهم هو الرضا والقبول!, كل يوم يمر دون مراجعة أنفسنا، دون الخروج من الصندوق ورؤية ما بداخله على حقيقته، نكون بمثابة من يخسر شيئًا من روحه، بل بمثابة من يُقدم جزءا من كيانه على مذابح لا تشبع ولا ترضا ولا تستكين. حقًا، كم عدد القرابين البشرية الذين سيقدَّمون ضحية على مذابح الجهل والتبعية، قبل أن نستيقظ وندرك أن التفكير والأخلاق والاستقلالية في أزمة؟!. يجب ألاَّ نقضي حياتنا قلقين بشأن ما إذا كانت المجاميع أو حتى شخص ما يحبنا أم لا، يجب أن نحرص على أنه أو أنهم لا يتعدون علينا أو يجبرونا على مجاراتهم، أو التأثير في استقلالية فكرنا وتوجهاتنا.. على أخلاقياتنا ومبادئنا، وقد قالها أحد المفكرين من قبل: «إن المقياس النهائي للمرء ليس المكان الذي يقف فيه في وقت الهدوء، ولكن المكان الذي يقف فيه في أوقات التحدي والجدل».

مشاركة :