رجح المحلل السياسي حقي أويغور، أن تنتهي محادثات الاتفاق النووي الإيراني التي استؤنفت مؤخرا في العاصمة النمساوية فيينا بعد توقف دام خمسة أشهر، بـ"المصالحة"، رغم "عقبات جمة" تعترضها. وقال أويغور، رئيس مركز الدراسات الإيرانية، مقره العاصمة التركية أنقرة، للأناضول، إنه "لا إيران ولا دول 4+1 (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا + ألمانيا) تريد انهيار الاتفاق، وحتى إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق مثالي، فقد يجدان أرضية مشتركة (حل وسط)". وأضاف: "وقف المفاوضات وتصعيد التوتر العسكري لن يكون سيناريو مفضلاً لأي من الجانبين"، مبينًا أن "ذلك لن يكون خيارًا جيدًا لإيران التي انزلق اقتصادها في السنوات الأخيرة إلى الركود بسبب العقوبات الأمريكية". وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت إيران والقوى العالمية المحادثات في فيينا، في محاولة أخيرة لاستعادة "خطة العمل الشاملة المشتركة" لعام 2015 والمعروفة باسم "الاتفاق النووي الإيراني"، بعد توقف المحادثات إثر تغيير الحكومة في إيران في يونيو/ حزيران من العام الجاري. وانتهت الجولة الأخيرة من المحادثات الأسبوع الماضي دون إحراز أي تقدم يذكر، إذ قدمت إيران خلال المفاوضات مشروعي اقتراحين للأوروبيين أحدهما برفع العقوبات عنها، والآخر بشأن الالتزامات النووية. وتابع أويغور قائلاً: "لقد رأينا ردود فعل قاسية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد المقترحات، متهمين إيران بتوقع الكثير". كما اتخذ الوفد الإيراني الجديد، في ظل الحكومة الأخيرة، موقفاً أكثر صرامة من سابقتها، مما أثار رد فعل عنيف من الولايات المتحدة التي اتهمت طهران بعدم الجدية. في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن إيران لا تبدو جادة بشأن العودة إلى معايير الاتفاق النووي الذي يضع قيودًا على طموحات إيران النووية. وأوضح أويغور قائلًا: "لا نعرف أية تفاصيل عن المقترحات، حيث لم يتم الإعلان عنها"، مضيفًا أن "هذه السرية تدل على إمكانية استمرار المفاوضات". واجتمعت إيران ودول "4+1" مرة أخرى في العاصمة النمساوية، الخميس الماضي، بعد إجراء مشاورات في عواصمها. وبعد اجتماع اللجنة المشتركة، قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، إن الأطراف لديها "إرادة جادة" لمواصلة المحادثات، مما يظهر أنهم يريدون "تضييق الفجوات". وحول ما إذا كانت الأطراف الأخرى قد استجابت لمسودتي الاقتراحين الإيرانيين، قال باقري كني إن القضية ستناقش في اجتماعات مجموعة العمل. وبعد الاجتماع، قال إنريكي مورا، كبير ممثلي الاتحاد الأوروبي منسق المحادثات، إن الأطراف ستواصل المحادثات "حتى يتم التوصل إلى اتفاق". ** "العملية ليست سهلة" ويرى أويغور أن "عملية التفاوض لن تكون سهلة، لأن التوازنات الداخلية في الولايات المتحدة والتوازنات الجديدة في إيران تجعل من الصعب التوصل إلى توافق". وأوضح: "إدارة (الرئيس جو) بايدن تفقد سلطتها، فرغم مرور عام فقط على وصوله إلى السلطة، يواجه بايدن مشاكل خطيرة في السياسة الداخلية؛ فالجمهوريون الذين يتمتعون بحضور قوي في الكونغرس الأمريكي، يعارضون الاتفاق النووي الإيراني، كما يعارضه بعض الديمقراطيين أيضًا". وأشار أويغور إلى أن الإدارة الإيرانية بقيادة الرئيس المتشدد الجديد إبراهيم رئيسي، الذي تولى منصبه في أغسطس/ آب الماضي، انتقدت الصفقة (الاتفاق النووي) بشدة، ووصفتها بـ "الخيانة". في الآونة الأخيرة، حاول كلا الجانبين كسب المزيد من النفوذ، من خلال قيام إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم، وفرض الولايات المتحدة لعدد كبير من العقوبات الجديدة على المسؤولين والكيانات الإيرانية. وحذر أويغور من أن "هذا الاتجاه الخطير قد يستمر إذا تعثرت المحادثات في فيينا"، وتوقع أنه "إذا فشلت الأطراف في التوصل إلى اتفاق، فقد تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة لممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي على إيران، مما يمهد الطريق لتصاعد التوتر العسكري في منطقة الخليج واليمن وسوريا". والخميس، قال البيت الأبيض، في بيان، إن بايدن طلب "خيارات أخرى" (لم يحددها) من فريقه بحق إيران في حال فشلت المحادثات. ** إلى أي مدى يمكن أن تتنازل إيران؟ وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، الخميس، إن بلاده جادة في التوصل إلى "اتفاق عادل" يضمن المصالح المشروعة للأمة. وبهذا الصدد يتوقع أويغور أن توافق إيران على العودة إلى الاتفاق، بحجة أنه يعمل لصالح طهران على المدى المتوسط والطويل، رغم فرضه قيود عليهم على المدى القصير. وأشار إلى أن هناك مطالب من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي لاتفاق جديد أكثر شمولاً يغطي القيود المفروضة على الأنشطة الإقليمية والصواريخ الباليستية، لكن إيران ترفض هذه المطالب. واستبعد أويغور أن "تقدم إيران المزيد من التنازلات باستثناء القيود النووية"، إذ تقول إيران إن حقها في الانخراط في الأنشطة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، مكفول في المعاهدات الدولية. يذكر أن حسن روحاني، رئيس إيران من 2013 حتى أغسطس/ آب الماضي، وافق على الاتفاق، لكنه "تعرض لانتقادات شديدة من قبل المرشد الأعلى آية الله خامنئي لثقته في الغرب وتقديمه تنازلات لهم". وقال أويغور إنه "في ظل إدارة رئيسي الجديدة، من غير المنطقي توقع المزيد من التنازلات من حكومة أكثر تشددًا". ** الكيل بمكيالين كما انتقد السياسي التركي أويغور المعايير المزدوجة التي تطبقها الولايات المتحدة في القضايا المتعلقة بتكنولوجيا الطاقة النووية. وقال إنه "عندما يتعلق الأمر بأمن الشرق الأوسط وإسرائيل، فإن هذه المعايير المزدوجة تزداد أكثر (..) إسرائيل لديها ترسانة نووية، لكن هذه الحقيقة لم تطرحها الدول الغربية أو الشرقية". وتابع: "لا يريد الغرب تغيير النظام العالمي الحالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تحتل فيه إسرائيل مكانة استثنائية، ورغم حقيقة أن الولايات المتحدة تبذل محاولات للانسحاب من المنطقة وأن الدول الغربية تفقد نفوذها الإقليمي، إلا أن إسرائيل لا تزال تتمتع بقوة معينة تستخدمها بشكل كامل". ونوّه إلى أنه "إذا اتخذت دول المنطقة الأخرى خطوات في نفس الاتجاه، فمن المرجح أن تواجه ضغوطًا مماثلة". وتروج الولايات المتحدة للطاقة النووية لمكافحة تغير المناخ وتقليل استخدام الفحم والوقود الأحفوري، لذلك وقعت اتفاقية نووية مع الهند، ولكنها من ناحية أخرى تستهدف إيران ودولاً أخرى تمتلك تكنولوجيا مماثلة. كما يرى أويغور أن هناك أزمات فورية في المنطقة يجب على المجتمع الدولي أن يهتم بها أكثر من القنبلة النووية الإيرانية، وشدد على أن "إيران ملتزمة بالفعل باتفاق معين، وأن أنشطتها النووية تخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية". واعتبر أن "وضع إيران في هذا الإطار من المشاكل، مع تجاهل القضايا الأخرى الضرورية للأمن الإقليمي مثل أزمة المهاجرين والحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، يعد نهجاً سياسياً بحتاً". واختتم حديثه بالقول إن "المعارضة الأيديولوجية، والصراع على السلطة الذي تخوضه إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عام 1979 هو السبب الرئيسي وراء هذا النهج". وفي عام 2015 تم التوقيع على الاتفاق النووي، من قبل إيران والولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي. وبموجب الاتفاق، التزمت طهران باقتصار نشاطها النووي على الأغراض المدنية، وفي المقابل وافقت القوى العالمية على إسقاط العقوبات الاقتصادية ضد إيران. لكن في عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، انسحاب واشنطن من الاتفاق من جانب واحد، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران، مما دفع طهران إلى التوقف عن الامتثال للاتفاق. ومنذ مايو/ أيار 2019، اتخذت إيران سلسلة من الإجراءات لتوسيع نطاق أنشطتها النووية، حيث رفعت نسبة التخصيب من 4.5 بالمئة إلى 60 بالمئة، مما أثار دهشة الغرب. وتحافظ طهران وواشنطن على مواقفهما المتشددة، فبينما تريد إيران رفع جميع العقوبات والحصول على ضمانات أمريكية بعدم التخلي مرة أخرى عن الاتفاق، تدعو الولايات المتحدة إيران إلى الامتثال بالتزاماتها. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :