تحقيق إخباري: نساء سوريات يحولن بيوتهن إلى مطابخ لصنع الأطعمة التراثية لمواجهة ظروف الحياة الصعبة

  • 12/16/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تقف أم نوار (47 عاما) أمام طاولة خشبية مستطيلة الشكل، مرتدية زيها الشعبي الأسود اللون الخاص بأهالي محافظة السويداء (جنوب سوريا) وتقوم بوضع حشوة الكبة داخل عجينة قامت بتحضيرها سابقا، بحركات رشيقة وسريعة كي تنجزها في وقتها المحدد. وأم نوار، أم لأربعة أولاد، وزوجها متوفي منذ 5 سنوات، وتقوم بصنع الطعام في منزلها منذ سنتين تقريبا، لتتمكن من تأمين مستلزمات الحياة اليومية لأولادها وخاصة في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها سوريا حاليا من غلاء للأسعار، وانهيار العملة المحلية وتدهور الوضع الاقتصادي للبلاد، بسبب الحرب التي مرت عليها والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي تفرضها الدول الغربية وأمريكا على سوريا. وقالت أم نوار، وهي تضع قطعة قماشية بيضاء على رأسها وتغطي فمها لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق "منذ تزوجت وأنا أتقن الطبخ وخاصة الاكلات التراثية التي تشتهر بها محافظة السويداء، وخاصة اكلة المنسف العربي، المصنوع من اللبن المغلي ولحم الغنم أو الدجاج، والبرغل المطبوخ إلى جانبه، والكبة المحشوة وغيرها"، مشيرة إلى أنها بعد ان توفي زوجها وهو موظف حكومي سابق، لم يعد يكفيها الراتب، فقررت أن تلجأ إلى الطبخ كونها تتقنه. وأضافت أم نوار "بعد تشجعي من قبل اولادي، والحاجة الماسة للحصول على المال، بدأت اروج بين جيراني واقربائي أنني أقوم بطهي الطعام للزبائن، ولمن يريد ، وبأسعار مقبولة"، مشيرة إلى أن البداية كانت مشجعة، ولاقى طعامي اقبالا لدى الناس. وأكدت أن العمل متعب ولكن هناك متعة خلال طهي الطعام، موضحة أنها تحرص على تقديم الطعام بنكهته المعتادة. وتعمل أم نوار قرابة العشر ساعات يوميا، وبعد ان تنتهي من الطهي، تقوم بتصوير ما طبخته بهاتفها المحمول وتقوم مساء بوضع ما صنعته على صفحتها بموقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك) كي يراه المتابعين، وتكون من باب الداعية لها. وفي مكان آخر في أحد ضواحي مدينة السويداء شمالا، تعمل أم سليم (52 عاما) في المعجنات، وتقوم بتحضير العجين مساء، وتبدأ العمل في الصباح الباكر، في غرفة ملاصقة لمنزلها على تنور صغير، يعمل على الحطب، تقوم بصنع المرشم، وهو اشبه بكعك العيد، ولكن ذو نكهة خاصة، وهي اكلة تراثية شعبية في محافظة السويداء. وتقول أم سليم لـ((شينخوا))، وهي ترق أقراص المرشم على قاعدة خشبية مزركشة بالرسوم، إن "ظروف الحياة باتت صعبة، وزوجي مزارع ويعمل في الأرض، ولكن ما ينتجه لم يعد يكفي، فقررت أن اساعده من خلال عملي في البيت، فأعد الاكلات التراثية في منزلي وأقوم بتوصليها للزبائن". وتابعت تقول "في البداية كنت محرجة من العمل، وأعمل بالسر ولكن بعد أن لاحظت أن العمل يكسبني مالا، قررت أن أوسع العمل وأخبر الناس بأنني أطهو الطعام لمن يريد"، مبينة أن هذا الشيء كان جيدا وفيه مكسب مادي جيد. وأشارت ام سليم وهي تقوم بنزع أقراص الكعك عن الصاج، والرائحة الزكية تنتشر المكان، إلى أن العديد من السيدات بدأت تعمل في المنزل لكسب المال، خاصة وان الظروف المعيشية باتت صعبة على الجميع. وروت أم سليم أن مطبخها الآن بات مشهورا، وكل يوم يقوم العديد من الزبائن بطلب الطعام من مطبخها، مشيرة إلى أن الاكلات الأكثر طلبا هي اللزقيات، وهي حلويات، أكلة تراثية معروفة في محافظة السويداء، إلى جانب المرشم (كعك العيد)، واكلة المغربية التي تعدها أم سليم بطريقة رائعة وتطبخها بأسلوب الجدات أيام زمان. ام الشابة سناء (36 عاما) فهي تعد الاكلات الباردة، مثل التبولة واليبرق "ورق العنب المحشو بالرز والخضروات"، وقوالب الكيك وحلويات شعبية أخرى، في منزلها أثناء فترة غياب زوجها بالعمل لساعات طويلة. وقالت سناء "لدي طفلة مريضة، وهي بحاجة إلى دواء بشكل مستمر"، مبينة أن هذا الدواء سعره غال، وزوجها لا يستطيع أن يؤمن المال لهذا الدواء. وأضافت "لم يكن أمامي سوى أن أقدم على خطوة وهي فتح مطبخ في منزلي، وإرساله إلى أحد المحلات لعرضه"، مشيرة بعد أشهر من بدء العمل، لاحظت أن الأطعمة التي اقدمها تلاقي اقبالا من قبل الناس، والناس تسأل عنها. وقالت "بدأت أضع أرقام هاتفي على الأطعمة التي اقدمها، وبدأ الناس يتصلون بي ويطلبون مني بشكل مباشر". وأكدت أنها خففت عبئا عن زوجها، وصارت تجمع ثمن الدواء لابنتها المريضة، وتشتريه بأي ثمن، مبينة أن العمل في المنزل خطوة جيدة. وحثت سناء غالبية السيدات اللواتي يريدن العمل بالتوجه للطبخ في المنزل، فهو ممتع ويحقق ربحا ماديا، وبنفس الوقت نقدم خدمة للناس الذين يريدون أن يأكلوا طعاما شهيا ونظيفا. وبدورها، قالت الدكتورة ربيعة زين، وهي تشرف على المشاريع الصغيرة في محافظة السويداء لـ((شينخوا)) إن "النساء يتوجهن اليوم إلى المشاريع الصغيرة والمنتجة، لمساعدة بيوتهن، وتحسين ظروفهن المعيشية"، مشيرة إلى أن ظرف الحياة باتت صعبة والكل يجب أن يعمل كي تتمكن العائلات من الاستمرار في الحياة، ولا تلجأ إلى التسول. وأشارت إلى أن هناك جمعيات تقدم مساعدات مالية للأسر التي تريد أن تدير مشروعا صغيرا شريكة أن يكون ناجحا ويحقق دخلا ماديا جيدا.■

مشاركة :