بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون حاليا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على سوريا ، وانهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ، الأمر الذي انعكس واقعا سلبيا على حياتهم، إلا أنه لا تزال هناك براقة أمل يتمسك السوريون بها وهي المشاريع الصغيرة التي تدر عليهم ما يسد رمقهم ويجعلهم بمنأى عن الحاجة بالحد الأدنى . هذه الظروف المعيشية الصعبة دفعت بعض النساء في سوريا إلى اللجوء لإنشاء مشاريع صغيرة لا تكلف الكثير من المال وإنما تحتاج إلى مهارة وجهد كبيرين ، وبنفس الوقت تسد ثغرة لا بأس بها في جدار الحياة الصعبة التي فرضت عليهن ، فكان النجاح حليفهن ليصبح المشروع البسيط بعد فترة ومع المثابرة مشروعا منتجا يدر ربحا معقولا. والمرأة السورية عشية اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 مارس من كل عام استطاعت أن تحطم صورة المرأة النمطية ، وأن ترسم لنفسها صورة مشرقة ، فهي الأم المربية والمنتجة والموظفة التي تبوأت مواقع المسؤولية، وهي التي وققت إلى جانب زوجها في أحلك الأيام صعوبة في سنوات الحرب التي مرت على البلاد، وعملت بمهن شاقة كانت فيما مضى حكرا على الرجال . واليوم بعض النساء السوريات اخترن مشاريع مناسبة يستطعن القيام بها ويبرعن فيها وتكون بصمتهن واضحة، واستطعن أن يثبتن انفسهن في المجتمع من خلال عملهن . الشابة السورية هديل العبد الله (25 عاما) لم تمنعها دراستها في الجامعة من البحث عن مشروع صغير منتج يؤمن لها ولوالدتها مصدر دخل جيد ، وأن تتقن عملها بشكل رائع وأن تقدم منتجات فيها فائدة لمحيطها الاجتماعي بأسعار مناسبة. وقالت هديل العبد الله التي يشارك مشروعها في معرض "حكاية أمي" في محافظة السويداء (جنوب سوريا) ضمن مبادرة " معا نحو الاكتفاء الذاتي " لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن " مشروع صناعة الألبان والأجبان ومشتقات الحليب هو مشروع جميل وهو حلمي وحلم والدتي ، تعلمت العمل من أمي لأنها تتقن العمل بهذا الشيء منذ سنوات " ، لافتة إلى أنها استطاعت أن تطور العمل وتوسعه وأن تضيف عليه بعض الأشياء كونها تدرس في كلية العلوم الطبيعية . وأشارت إلى أنها حصلت على قرض مالي من مبادرة " معا نحو الاكتفاء الذاتي " ، مؤكدة أن البداية كانت مشجعة وبنفس الوقت كان هناك بعض الصعوبات لكن بالإرادة والعمل المستمر استطعت أن أحقق حلمي وأنجح بمشروعي وأن أسوق المنتجات في كل مكان عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ((فيسبوك)). وتابعت الشابة هديل تقول " إن الهدف من المشروع كان للتغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة وأن أساعد أمي في تأمين دخل مادي يناسب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر على سوريا والسوريين " ، مؤكدة " لقد حققنا الاكتفاء الذاتي دون الحاجة إلى أحد " ، معبرة عن سعادتها بنجاح مشروعها الذي بدأته منذ سنة تقريبا . وأضافت أن " المرأة تستطيع أن تحقق الكثير من الإنجازات وأن تساعد الرجل في كثير من الميادين " ، مشيرة إلى أن العمل هو قيمة إيجابية للمرأة تصقل ذاتها من خلاله ، وقادرة على تغيير الصورة النمطية التي سادت في أزمنة معينة . وقالت " نحن نمر بظروف معيشية صعبة ، ولا ينبغي أن نستسلم للظروف الصعبة ، وعلينا أن نسعى للعمل وتطوير أنفسنا من خلال الأشياء المتاحة " . ومن جانبها عبرت لميس زيتونة (54 عاما) عن فرحتها بنجاح ورشتها التي افتتحتها بالبيت منذ عام تقريبا لتساعد عائلتها بالظروف المعيشية الصعبة ، مؤكدة أن العمل بالنسبة للمرأة هو شيء مهم ويقوي من شخصيتها . وقالت لميس التي تعمل في صنع الحلويات التراثية والمربات المصنوعة من الفاكهة ، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن مشروعي ساهم في تحقيق ذاتي من خلال نجاحي بالعمل، وكذلك حقق لي الدخل المناسب لمساعدة عائلتي في تعليمهم بالجامعات . وتابعت تقول " بعد تقاعدي من العمل الوظيفي أردت أن أشغل نفسي بالعمل وأن أشارك عائلتي بجزء من المال ، فكان البدء بمشروع لصناعة الحلويات وتسويقها وبيعها للزبائن بأسعار منافسة " ، مشيرة إلى أن عمل المرأة هو شيء مهم لها ، ويحقق لها ذاتها ويثبت للمجتمع أنها عنصر فعال وقادر على العمل والإنتاج . ودعت لميس كل النساء القادرات على العمل أن يعملن ، وينشئن مشاريع صغيرة منتجة ، وأن يقتحمن ميادين العمل ، فالمرأة حسب قولها "هي طاقة إيجابية متجددة ، قادرة على صنع أي شيء إذا أرادت " . وفي ريف دمشق ، جلست أم مطيع (46 عاما) ، التي فقدت زوجها في الحرب قبل خمس سنوات ،على كرسي خشبي لتروي لنا حكايتها مع العمل ، والتي تصنع مشغولات يدوية صوفية من خلال السنارة ، وسط أجواء من الفرح . وقالت أم مطيع التي ترتدي ثوبا من اللون الأسود وغطاء أبيض على الرأس ، وهو الزي الشعبي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز ، لـ (( شينخوا)) " فقدت زوجي في المعارك التي جرت بريف محافظة القنيطرة ( جنوب غرب سوريا ) ، وترك لي عائلة مؤلفة من 4 أطفال ، فكان خياري الأول هو العمل في منزلي ، كوني أجيد الحياكة عبر السنارة " ، مشيرة إلى أن أهلها ساعدوها في تأمين المواد الأولية وكانت الخطوة الأولى مبشرة بالخير . وأضافت أم مطيع أن " المشغولات اليدوية المتنوعة والمتقنة كانت هوايتي وسر نجاح مشروعي " ، مؤكدة أنها بعد سنة بدأت بتوسيع العمل وفتح ورشة صغيرة في البيت ، وراحت تشغل بعض النساء معها . وأوضحت أم مطيع أن العمل أكسبها دخلا ماديا جيدا ، وفسح المجال أمام نساء أخريات للعمل معها ، مبينة أن مهنة الحياكة تحتاج إلى مهارة وإرادة عالية ، لافتة إلى أن العمل أكسب شخصيتها قوة وصلابة ، وساعدها في تأمين متطلبات الحياة اليومية . وبدورها شجعت المحامية جانيت عبود النساء على العمل ، وعدم الاستسلام للظروف الصعبة ، وأن تعطي المرأة عن نفسها صورة مشرقة . وقالت جانيت عبود لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن " المرأة السورية تميزت بذكائها وجمالها ، ومحافظتها على بيتها وعائلتها وتأقلمت مع الظروف التي مرت بها سوريا خلال الحرب من عقوبات اقتصادية ووضع معيشي متدهور ، واستطاعت أن تنشئ مشروع من العدم ، ليكون نواة لمشروع منتج لاحقا لتحدى الظروف بكل إيجابية " . ورأت المحامية السورية جانيت عبود أن المرأة السورية استطاعت أن تطور نفسها وبرزت بصورة جديدة ، مؤكدة أن الظروف الصعبة تصقل الجوهرة التي بداخل كل امرأة ، مشيرة إلى أن المشاريع الصغيرة التي تقدمها المرأة هي خطوة باتجاه تحدي الظروف الصعبة والتغلب عليها بكثير من الحب والأمل . ودعت إلى ضرورة دعم تلك المشاريع الصغيرة التي يقمن بها النساء على كافة المستويات ، لأنها تشكل خطوة نحو خلق بيئة منتجة وعاملة ، وغير مستهلكة ، مشيرة إلى أن الظروف الصعبة تصنع النجاح . أما الشابة سمارة البدعيش (23 عاما) رفضت أن تكون عبئا على عائلتها فقررت أن تستثمر موهبتها في الرسم والتلوين في إنتاج عدة لوحات مزركشة مصنوعة من الخشب وملونة بالألوان الجميلة . وقالت الشابة سمارة البدعيش، أرسم على الخشب وهو مشروع صغير ما زال في بدايته وأسعى لأن يحقق لي الدخل المادي المناسب مستقبلا ، مشيرة إلى أن مشروعها لاقى إعجابا من المحيط ، الأمر الذي شجعها على تقديم المزيد من الأعمال .■
مشاركة :