منفى النفس الاختياري - نجوى هاشم

  • 11/15/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

يسعى بعض الناس أحياناً بحسن نية وأحياناً بخوف من غضب الآخرين والمحافظة على رضاهم.. بالتعامل معهم كما يريدون أو كما يرضيهم أو كما يتوقعون.. ويستخدمون في ذلك لغة مرضية لكل الأطراف.. وهذه اللغة قد لا تروق لهم ولا تعجبهم لكن في المقابل يعنيهم أنها تعجب غيرهم وترضيهم.. وهم يقفزون على أنفسهم لحساب الآخرين.. ويعبرون جسراً لا يوصلهم إلا إلى المجهول.. والتغرب عن النفس والانفصال عن حقيقة أن تكون أنت كما تريد لا كما يريد غيرك..! "كن صادقاً مع نفسك" هذه المصداقية لا يمكن أن تكتسبها أو تتعرف عليها إلا من خلال معرفة نفسك وكشف الغطاء عنها وهذه المعرفة لا تتأتى إلا بالانحياز إلى الصدق في التعامل مع نفسك أولا ً واحترام كينونتها وتدليلها.. وتقدير قيمتها ومن ثم الانطلاق إلى الآخرين والتعامل معهم.. والواقع أنّ من لا يقدر نفسه لا يقدّر غيره.. ومن لا يعرف نفسه من المستحيل أن يعرف الناس حتى وإن توهّم أنه خبير فيهم وفي معرفة مايريدون.. ويستطيع إرضاءهم ويمكنه تلمس احتياجاتهم.. لكن مع كل المجهود الذي يبذله لإرضاء غيره هل يكسب احترامهم؟ من المؤكد أنه لا يستطيع كسب احترامهم لأنهم يرونه شخصاً لا رأي له ولا تأثير.. وكل مهمته في الحياة أن يساير الآخرين ويرضي أهواءهم..! في الحياة كم من الأشخاص نعرف من هؤلاء الذين لا رأي لهم ولا تستطيع أن تخرج منهم بفائدة أو نصيحة أو فكرة .. فما تقوله يثنون عليه سيئاً أم جيداً.. وليس لديهم القدرة على نقدك أو توضيح الصورة لك وبأنها خاطئة.. لأنهم يعتقدون أنهم لو فعلوا ذلك سيخسرونك إلى الأبد.. وهم بذلك يخسرونك فعلا ً.. فأنت هنا بموافقون تخسرهم كأصدقاء فالصديق الحقيقي هو مرآتك الحقيقية.. وتخسرهم كأعداء لأن ّ العدو يصدمك بالحقيقة بطريقة فجة وقاسية.. لكن الشخص المحايد ينقلها بهدوء... وما بين العدو والصديق يقف مثل هذا الشخص الذي خسر نفسه ولم يكسبك..! في الحياة نعرف كثيرين من هؤلاء وعادة من طبعي التعاطف مع البعض خاصة الأبرياء منهم والذين يقتلون أنفسهم من أجل إرضاء الآخرين ويضحون بأنفسهم لأجلهم بحسن نية وعدم رغبة في إغضاب الشخص الآخر الذي معه في العمل أو صديقه.. ومع ذلك نحن لا نلجأ لهؤلاء في أزماتنا ربما لعدم وجود روابط مشتركة بيننا.. ولعدم قدرة هذا البريء على مساعدتك لتجاوز أزمتك.. والذي أيضاً تحنو عليه أحياناً وتقول له اعترض أو عارض عندما يستحق الأمر ولا تكن سلبياً كما أنت دوماً.. وحاول أن تحصل على حقوقك بدلاً من هذه التنازلات التي لا معنى لها ولا أهمية لدى الآخر.. فأنت تخسر نفسك.. وتذيبها لإرضاء الآخر مقابل ذلك هو لا يفعل شيئاً من أجلك.. وأنت لا تجيد البحث عن حقوقك.. ولا تريدها وكل ما تهتم به أن يكون الآخر سعيداً وفعلت مايرضيه... وهنا قد التمس عذراً للبعض بأنّ هذه هي شخصيتهم ومن الصعب تغييرها أو تبديلها.. أو إكسابهم ثقافة الرفض.. أو فعل مايريدونه.. لأنك قد تصل معهم إلى مرحلة توتر غير طبيعية رحمة بهم وليس غضباً منهم.. فقد تسأل أحدهم: ما رأيك في هذا اللون ؟ يقول حلو.. وهذا اللون؟ جميل.. وهذا اللون؟ ممتاز.. طيب ماالذي يناسبني من كل هذه الألوان؟ سيجيبك: كلها.. طيب ماهو الأفضل فيها؟ بحماسة كلها رائعة.. طيب هل ألبسها كلها؟ ماأعرف هذا رأيك.. ومادام ماأراه هو الذي سوف يكون فلماذا سألتك؟ بخجل يقول لك: ماحبيت أزعلك لو أبديت لك ماهو أعجبني.. وآنت حر.. وأحياناً تغيبين سنوات عن زميلة أو معرفة وتعودين لها معتقدة أنها تعلمت أو كبرت أو أثرت تجارب الحياة عليها.. فتكتشفي أنها كما هي لم تتغير ولم يتبدل شيء.." معاكم معاكم.. عليكم عليكم.. وبضحكة تقولين.. ياأختي اعترضي على أي شيء.. فكل حديث تصادقين عليه.. اختلفي ..قالت:الحياة لا تحتاج الاختلاف.. ومادامت لا تحتاج الاختلاف لماذا تؤكدين صدقنا وصحة مانقوله.. وهي آراء تقبل الاختلاف أو الاعتراض.. تقول: مالي خلق أخالف أي أحد وكل شخص حرّ فيما يقول.. طيب هل هذه هي الحرية في التفاهم مع الآخر وخلق جسور إنسانية معه..؟ الآخر الذي يرضيك قد يكون منافقاً فهو يختصر مافي داخله ليرضيك وهو يعرف أنه ليس على صواب لكن يتفهم ذلك وأنت تتفهمه فالقلوب شواهد دوماً ولا يمكنها أن تخطئ القراءة على الإطلاق..! وما بين من يرضي الآخرين على حساب نفسه بحسن نية وبعدم فهم وبين الآخر الذي يعرف نفسه ولكنه يخدم مصالحها.. تظل النفس البشرية هي محور الأمر فإن عرفتها جيداً لا يمكنك أن تقذف بها إلى المجهول وتتعمد إيذاءها وتهميشها.. فالنفس غالية ولا يمكن لمن يقدّرها حق قدرها أن يتنازل عنها ويهجّرها إلى منفى اختياري بعد أن هجّر نفسه إلى منفى إجباري..!!

مشاركة :