يتنفس الصبح كل يوم غاضباً.. متململاً.. يتيقظ متكاسلاً.. يتحسس طريقه في المكان رغم أنّ الضوء يغمر كل الزوايا المكانية.. ويتسلل لمفاصل لحظات الصباح.. يصرّ بل يقنع نفسه أنّ اللحظة مظلمة ولم يطلع النهار بعد.. هو ينطلق من ظلام داخله.. الذي ظل يهرب إليه وداخل حدوده.. بلا أي سبب لهذه الهجرة الأزلية.. تحرك من مكانه مضطراً للخروج ومصافحة النهار الذي يقول إنه لا يعرفه أو قليلاً ما عرفه.. لأنه يختص بغيره ولا يختص به.. غيره الذين يعيشون حياة مرفهة وحياة سهلة.. لا يرتدون عذاباتها.. ولا يتدثرون منذ أن ولدوا بالهموم.. غيره الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من الذهب كما يقول البسطاء.. غيره الذين وجدوا المال دون تعب.. وسبحوا في مياهه وتمتعوا به.. غيره الذين يضحكون ويفرحون ويسافرون سعداء.. ويصادقون بمرح.. هؤلاء كما يعتقد من حقهم الفرح.. لأنهم أحرار من عبودية البحث عن لقمة العيش والتكبل بالهموم وتوفير حياة أفضل للعائلة.. ولنفسه.. وأحياناً لا تكون همومه مالية بقدر ما هي هموم نفسية تسد عليه رؤية الأفق والأعماق التي في داخله.. وهي تطالبه بأن يعيش ويستمتع بالحياة.. يعيش اليوم إن جاءه الفرح ويترك الغد لمالكه رب العالمين وهو العالم به وكيف سيكون! في عز فصل السعادة والفرح واحتفاء من حوله يفكر في القادم، وهو بذلك يضيّع الاستمتاع باللحظة ولا يعيشها.. فمثلاً قد نلتقي بالبعض في مكان ما وفي لحظات سعادة وتجده صامتاً مكتئباً ينظر لمن حوله وكأنهم ارتكبوا جرماً أو تسببوا في كارثة.. وعندما تسأله لماذا أنت متجهم يرد: هؤلاء فارغون وليس لديهم هموم أنا عندي بكرة دوام وعندي موعد مستشفى لبنتي أو أمي وعندي مراجعة دائرة.. تسمعه بهدوء ودون أن تحاول أن ترد أو تعكر لحظتك تقول له: الله يعين الجميع وتنصرف.. السؤال: هل هو الوحيد الذي لديه هذه الهموم وهذه الالتزامات؟ من المؤكد أنّ من يجتمعون لديهم كلهم هموم والتزامات ومواعيد وأقساط وأطفال وأمهات.. ومشكلات في العمل.. وربما أمراض مزمنة.. ولكن يظل التعايش اليومي مع النكد وفرضه على نفسك حتى وإن أراد الهروب مدرسة قائمة بحد ذاتها لا يفتحها إلا المتخصصون في الغضب على الحياة والهروب منها والخوف من ملامسة أفراحها وكأنها ستنتقل بالعدوى لهم! في الحياة بشر لديهم ضعف إحساس بالنعم التي حولهم يتزامن مع ضعف الرؤية المفتعل.. فالإنسان مهما كانت همومه تسعده لحظة عابرة من الفرح الإنساني كرؤيتك لطفل يضحك ووصوله إلى شغاف قلبك.. ورؤيتك لشخص تحبه لم تره منذ زمن.. ورؤيتك لأفراد أسرتك أمك وأبيك وأطفالك وزوجتك وإخوتك أليست هذه من نعم رب العالمين عليك، وكثيرون محرومون منها؟ كم من شخص يتمنى روح العائلة، وكم من شخص يتمنى أن تكون أمه التي رحلت بجانبه. كم من شخص يتمنى ويحمد الله ويشكره على نعمة أن يأتي رمضان أو العيد وهو بين أفراد عائلته لا فاقدا أحداً منهم ولا هو مفقود. هي الحياة دائماً مبررة الوجود تحتاج أن تعيشها بشجاعة وإقدام.. وتجاوز وعدم توقف عند أبواب الهموم فكلنا لديه منها الكثير.. أما سوء الطالع الذي ترى أنه يختص بك وحدك فهو يضرب حصاراً على غيرك منذ أزمنة ولم يتمكنوا من فكه ومع ذلك عرفوا الحياة ولم يخافوها ولم يستسلموا لسوء طالعهم.. ولامسوا الملاذ المساعد للخروج وهو أن يعيشوا، وأقصاها أن يحاولوا العيش والتمتع بأقل ما في الحياة وما في أيديهم! يقول باولو كويلو الرائع "توقف عن التفكير في الحياة.. وابدأ في عيشها".. فالعمر أيام وكل يوم يعبر من الصعب استعادته أو العودة إليه أو إرغامه في أن يعود لذلك لا تفكر فيه وأنت في مكانك حاول أن تعيش لحظتك استمتع بما حولك حتى وإن كانت صورة تراها كل يوم.. ابتسم فالابتسامة جزء أساسي من الحياة البسيطة والتي لا يخامرها قلق أو خوف.. لا تفكر في مطاردة ما سيأتي أو ما ستقوله عندما يأتي الغد.. فكر فيما ستقوله هذه اللحظة.. الآن.. كينونتك هي الآن فحاول أن تعيش دون تفكير.. فالتفكير يدمر كل شيء.. من أبسط الأشياء ونحن نعيش في زحام يومي مفزع ضيق الوقت والمساحات المحدودة التي اصبحنا نمتلكها فمثلا تفكر في صديق أو قريب وتتمنى أن تسمع صوته وتقرر أنك ربما تكلمه غداً.. والمشكلة أنك غداً قد تكون مشغولا ًولاتعرف ملابساته.. ومن أجل أن تستمتع وتسأل حاول أن تكلم لحظتها فلربما غداً تكون قد نسيت في زحمة التزاماتك وقد لا تتذكر أنك كنت تريد مكالمته.. ولذلك ولمن هو صادق مع نفسه لا يخجل عندما يقول لشخص إنني فكرت في مكالمتك ولكن بعد ذلك انشغلت ونسيت.. والأفضل من تجربتي أن تكلم وتتواصل لحظة أن يطرأ عليك ذلك الشخص وإلا لن تتذكر في نطاق ركضك اليومي..! لا تتلذذ بالهروب من الحياة العادية التي يعيشها الجميع بوجوهها المختلفة.. ولا تنشغل بسوء طالعها وتخصصه في الوقوف على بابك والدخول لأنك أنت من يفتح له الباب ولأنك أنت من يساعده ليربح منك كل شيء رغم أنه دقّ باب غيرك ولم يربح.. ليست الحياة في مجملها فارهة السعادة ولا متسلسلة بجمالها وإلا أصبحت مملة ولكنها كالفصول المتغيرة وبالتالي لا تسجن نفسك في صيفها ولا في شتائها وتشتكي البرد أو الحر فالفصول تغير ملامحها وعلينا أن نعيش داخلها ولا نفكر بالصيف ونحن في عز الشتاء.. تدثر بدفء روحك وتوسد يومك وانغمس داخله إن كان به وميض فرح.. شاهد الشمس وهي تشرق شامخة وكيف تقولب العالم معها وحسب منظورها فيختارون العيش في لهيبها ويعطون بقدر ما أخذوا منها.. ! لا تطارد المنافي فهي بعيدة ولن تستدعيك بل طارد داخلك فقد تجد به منفى أجمل يجمعك بالحياة اليوم ويغيب تفكيرك عن غد!
مشاركة :