زاوية النفس المحكومة بالخيال - نجوى هاشم

  • 7/17/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

زميلة قديمة لي منذ أيام الدراسة الابتدائية.. جمعتنا الأيام والمدرسة والمدينة الصغيرة.. والأهل المشتركون.. وتفاصيل حياة كانت هادئة وخالية من التعقيد.. والهموم.. تميزت تلك الأيام البريئة بمحدودية المكان.. وبراءة التفكير.. وبالذات في المراحل الدراسية المبكرة.. زميلتي هذه تميزت بعبارة شهيرة لم تفارقها منذ عرفتها ونحن على مقاعد الدراسة حتى ما قبل شهور عندما التقيتها وهي ترددها ولكن هذه المرة تستشهد بي.. وبمعرفتنا الطويلة على اعتبار أنني أعرف تماماً من هي.. عبارتها الشهيرة بعد كل خلاف مع أحد.. أو "مردغة "لأحد.. أو مصيبة.. أو حتى حديث عابر.. " أنا إنسانة طيبة" والله يعلم بي.. وفلانة تعرفني.. وفلانة أيضاً تعرفني.. واللي في قلبي على لساني.. معروفة إني طيبة..!! السؤال ما هي الطيبة التي وصمت نفسها بها؟ وكيف للإنسان أن يدعيّ أنه طيب.. أو يصف نفسه بصفات قد لايراها الآخر به؟ والأهم أن بعض هذه الصفات لاينبغي أن تغدقها على نفسك بل تترك الآخر هو من يصفك بها.. أو يتلطف بها عليك..! كثير من البشر نسمعهم بذهول يصفون أنفسهم دون أن يطلب منهم ذلك.. فتسمع أحدهم يقول أنا انسان "ودود" وآخر.. يرى نفسه "متعاون"وثالث.. يجد نفسه" حبيب وقريب من الناس".. ورابع.. يقول إنه" مخلص"رغم أنك لم تر شيئاً.. ولم تلمس إخلاصاً.. وآخر يصف نفسه بأنه" دبلوماسي ولبق".. آخر يستعرض ويقول.. "أنا حديثي لا يمل"رغم أنك لم تسمعه كثيراً.. وفلان يرى أنه "بسيط وعفوي".. وفلان يقول إنه "مسالم وطوع يد الآخر".. والأهم من ذلك قد تجد أحدهم يقول.. إنه " شخص جميل ومبهر ومن الصعب أن يتواجد في مكان وهناك من بإمكانه ان يسرق الأضواء منه..! على الجانب الآخر وفي نفس السياق.. تجد شخصا بلا مبرر يصف نفسه "بالعدوانية" والعدائية.. وآخر يقول إنه"صعب المراس" أو نظامي جداً.. أو "قاس" أو.. "متشائم".. آخر يصدمك من الوهلة الأولى بأنه "مرتبك" ومنطو وسهل التأثير عليه.. ولكن من أطرف ما سمعته عن شخص قوله" حاجتي مش لي" بمعنى أنه كريم النفس ويرمي ماله على الآخرين.. بدون مناسبة.. مثل هذا الشخص لو عرفته لاكتشفت عكس ذلك تماماً.. ولعرفت ايضاً بأن أغلب الناس الذين يصفون أنفسهم بصفات على مقاس نفسياتهم وثقافتهم وبيئتهم هم في الواقع لايقترنون بتلك الصفات ويبتعدون عنها.. ومع ذلك يروجون لها وكأنها سلعة غير مرغوبة وعليك شراؤها..! يقول مارك توين"الشخصية كالقمر لها جانب مظلم تحاول إخفاءه".. هذا الجانب المظلم أتصور أنه مرتبط بالتفكير الذي هو مفتاح الشخصية والتي كما يصفها"فولر" بأنها يقصد الشخصية" ضمير وعقل وإرادة ".. ولكن الأغرب في ذلك أننا وبالرغم من قناعتنا أحياناً بأن هذا الشخص متناقض ويقول مالا يقنع ولا يتصف به إلا أنه ينطبق علينا ما يقوله "سومرست موم" (من المدهش أن نقع على مزايا متناقضة في الشخص الواحد.. وفي الوقت نفسه.. أننا نقع فيه على انسجام ملحوظ..!) هذا لايعني أنه قد استغفلك ولكن قد تكون به زوايا مضيئة تلامست معها، واقتربت منها دون أن تشكل لك خسارة ما أو حتى حكاية ما..! السؤال الأهم الذي ليس له إجابة صحيحة له.. هل يستطيع الإنسان أن يصف نفسه بدقة..؟ وهل هو مخوّل بذلك؟ ولماذا يمنح الإنسان نفسه فرصة الاستعراض على حساب الآخر الذي تغيبه لحظة جنون إنساني؟ يقول الفونس كار" لكل إنسان ثلاثة طباع : طبعه الحقيقي.. وطبعٌ يظهر به أمام الناس.. وطبعٌ يعتقد أنه فيه..! ومع ذلك يروج للطبع الذي ليس فيه.. إنه الإنسان الذي قيل عنه "العجائب كثيرة لاتحصى.. وأعجبها الإنسان..!!"

مشاركة :