تمتاز بلادنا بتنوع مناطقها من ناحية المقومات الطبيعية والثقافية المرتبطة بذلك التنوع، حيث هناك مناطق ساحلية لها ثقافتها المرتبطة بالبحر والصيد وهناك مناطق جبلية لها طبيعتها المناخية والطبوغرافية وما يقود إليه ذلك من ثقافة زراعية متنوعة ولكن بحجم صغير وهناك المناطق المنبسطة الزراعية ذات البعد الزراعي الذي يمتاز بالحجم الكبير لمنتجات قليلة، وهناك المناطق ذات التقاطعات التجارية وهناك المدن الكبرى المختلطة السكان مقارنة بالمدن أو المناطق الصغيرة وغير ذلك من التمايز الذي يغفله البعض في مجال التنمية وتبني المبادرات المختلفة، حين يحاولون أن يصبحوا نسخًا من الآخرين. التخطيط لدينا يتم وفق القطاعات ويضعف لدينا التخطيط على مستوى المناطق، لذلك نشتكي أحيانًا بأن خططنا التنموية ليست متسقة مع التنوع المناطقي وتقود تشوهات تخطيطية في بعض المناطق بسبب هذه الشمولية والمركزية في التخطيط. رغم ذلك فإن هناك عملاً محليًا يقوم به الأهالي وتدعمه الإمارات في كل منطقة يجب الاهتمام به وتنميته وخصوصًا في ما له علاقة بهوية المنطقة الطبوغرافية والثقافية. هذه المقدمة العامة أسوقها للإشادة بالمبادرات المجتمعية المحلية في كل منطقة، وكنموذج متميز اختار تلك التي تحدث في منطقة الباحة. وهي مبادرات تمتاز بتناسب حجمها مع طبيعة الباحة كمنطقة صغيرة لكنها ذات ثراء نوعي وبالتالي فهي تتسم بكونها مبادرات نوعية. بعضها كانت المنطقة سباقة فيه، وغدت مناطق أخرى تقلده وتستفيد منه وبعضها يحاول التَّميز وسط محدودية الإمكانات وتواضع الدعم المادي. أخر هذه المبادرات المتميزة -كما أراها- هي مبادرة تأسيس جمعية إكرام وهي مبادرة إنسانية راقية في مضمونها ومعناها حيث تهدف إلى العناية بكبار السن في المنطقة، وهم الآباء والأمهات الذين يستحقون الإكرام والمساندة والعناية. هذه الجمعية تنضم إلى مبادرات مجتمعية نوعية أخرى تبرز في المنطقة، مثال جمعيات ومجالس التنمية المحلية والجمعيات الخيرية بالمنطقة كجمعية تعاطف لخدمة المرضى التي ستتكامل جهودها مع جمعية إكرام. تلك المبادرات ووفق إمكاناتها المادية تقوم بأعمال مجتمعية وخيرية كبرى بالمنطقة. نعم طبيعة أعمالها ومحدودية مواردها تجعلها تتوارى عن الدعاية وتعمل بصمت يتطلب منا أن نشد على أيدي القائمين عليها، ليس لأنهم وحدهم من يعمل بجمعيات خيرية واجتماعية، ولكن لأنهم يبذلون جهودًا كبرى في ظل محدودية الموارد وأحيانًا في ظل عدم تفاعل المجتمع المحيط كما يجب مع العمل الاجتماعي والخيري... إضافة للعمل الاجتماعي المحلي برزت منطقة الباحة مؤخرًا في تبني تأسيس الجمعيات التعاونية المحلية، التي امتازت بكونها جمعيات نبعت من طبيعة المنطقة وثقافتها وبيئتها بالذات الزراعية، كجمعية النحالين السعودية، الجمعية الزراعية، جمعية الرمان وبقية الجمعيات التعاونية، التي أعتقد أنه ما زال هناك مجال للتوسع فيها، بأن نرى جمعية للتنمية السياحية وأخرى لأصدقاء البيئة، كجمعيتين مهم تبنيهما بالباحة. الجمعيات التعاونية امتازت بتكاملها مع التنمية السياحية والثقافية بالمنطقة، فأصبحت لها مهرجاناتها واحتفالاتها الداعمة للمنتج المحلي وتسويقه كجزء من تسويق ثقافة المنطقة. لست أحصر المبادرات المجتمعية في منطقة الباحة، لكنني لا أود مغادرة الإشارة لها دون ذكر جهات أخرى شبه أهلية ومنها النادي الأدبي الذي يتحفنا بمبادرات يمتد صداها إلى الفضاء الثقافي العربي. هناك أكثر من عامل أسهم في تأسيس تلك المبادرات، من أهمها وجود نخب من أبناء المنطقة سواء المقيمين فيها أو خارجها لديهم الفكر والحماس للعمل التطوعي والرغبة في إبراز وخدمة منطقتهم، وهذا حق وواجب أدبي لا يتعارض مع جهودهم المهنية والأكاديمية والاقتصادية على المستوى الوطني. هم أعرف باحتياجات منطقتهم وأولى بتقديم الجهد والفكر والمبادرات التي تخدمها. العامل الثاني الذي يستحق الإشادة به، هو دعم سمو أمير المنطقة الأمير مشاري بن سعود وتحفيزه لتلك المبادرات بتنوعها المختلف وسعيه لاستقطاب جهود أبناء المنطقة في مختلف المجالات بما في ذلك الاستفادة من فكر المتميزين منها سواء عبر اللجنة الاستشارية لسموه أو عبر المبادرات الفردية المختلفة. ....... يتبع
مشاركة :