أكتب عن الفساد، وقد أشرت في المقال السابق (الأربعاء الموافق 26 أكتوبر) إلى أنه ضمن أبرز المشكلات العشر التي يواجهها العالم ولم يسلم منها أي مجتمع، سواء كان غنيًا أو فقيرًا. في الماضي كان الحديث عن الفساد يعد محظورًا إلى حد ما، مثله مثل الحديث عن المخدرات وحقوق الإنسان والإصلاح وغيرها من القضايا، لكنه الآن أصبح موضوعًا سائدًا في المجالس ووسائل الإعلام التقليدية والحديثة. ولأجله أسست المملكة هيئة سُمِّيت نزاهة تضاف لهيئات رقابية أخرى تسعى جميعها إلى محاربة التجاوزات النظامية التي قد ينطبق على كثير منها وصف الفساد. الفساد يعد نتيجة كما هو سبب، فهو نتيجة تجاوزات ونتيجة ضعف في الأنظمة والتشريعات ونتيجة عدم تطبيق النظام ونتيجة التحايل ونتيجة ثقافة لا تفهمه وتعرف أنواعه وآليات حدوثه وغير ذلك. كما أنه سبب في عدم تطبيق الأنظمة وعدم تطويرها وعدم القبض على التجاوزات والمتجاوزين وفي عدم إنجاز المشروعات والبرامج كما يجب. لذلك يجب عدم الركون إلى مجرد معالجة أو مراقبة أعراض الفساد أو نتائجة، بل إلى علاج مسبباته. مع الأسف أن أغلبية معالجاتنا لموضوع الفساد تركز على الأعراض والنتائج ولا تغوص أو تعالج الأسباب بشكل واضح! الفساد يعده النقاد والجهات الغربية مرض الدول النامية الميؤوس منه، باعتباره أكثر بروزًا أو أكثر ممارسة في تلك الدول، حتى إنهم يبررون تعاملاتهم غير النزيهة مع دول العالم النامي بأنها ضرورة لا مناص منها باعتبار الفساد ثقافة في دول العالم الثالث. هذا أمر ملحوظ في تعامل الشركات الغربية مثلاً في دولها وتعاملها مع عملائها في الدول النامية، حيث يلتزمون بمعايير صارمه داخل دولهم وأقل صرامة في الدول النامية. نحن نلمس ذلك بوضوح، حيث نستغرب كيف تتنازل شركات كبرى غربية ليس لديها مشكلات في قضايا الفساد في دولها بشكل فاسد في دولنا. ينظر البعض للفساد على أنه مجرد التحايل للحصول على أموال غير شرعية أو مخالفة للنظام أو ذلك المرتبط بالتجاوزات في توظيف الأقارب، لكن الحقيقة أنه أكبر من ذلك ونتائجه تتجاوز الفرد إلى المجتمع بأكمله، فالطريق الذي لم ينجز والمياه التي لم تصل والمستشفى الذي لم يبن والجامعة التي تغش في البحوث وغيرها من الخدمات والاحتياجات اليومية للناس قد يكون سبب تعثرها وعدم وصولها لمستحقيها هو الفساد في المعاملات والأولويات والأنظمة بما في ذلك انتهاك العدالة الواجبة تجاه الوطن والمواطن. يعتقد البعض أن الحكومات تسعد بوجود الفساد ولكن ذلك ليس دقيقًا، إلا في الحكومات غير الرشيدة، لأنه يرتد عليها في اهتزاز ثقة الناس بها وتقديرهم لإنجازاتها. الفساد يقود إلى أمراض مجتمعية وفرديه مختلفة، بأضراره المباشرة والممتدة والمتراكمة، وفي بعض الدول يكون المسبب العميق للقلاقل والنزاعات والثورات. يتبع
مشاركة :