تنذر خلافات الأحزاب السياسية الأردنية على مشاريع التعديلات الدستورية الممهدة لمناقشة توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بإرباك مسار التحديث السياسي المنشود في البلاد، والذي من المفترض أن يؤدي إلى انتخاب حكومات برلمانية ترى فيها بعض الجهات ذات الثقل الاجتماعي الوازن تهديدا لنفوذها وتقليصا لتمثيلها. ووقعت مشادات كلامية وعراك بالأيدي أثناء جلسة لمجلس النواب الأردني الثلاثاء خصصت لمناقشة مشروع لتعديل الدستور اقترحته الحكومة، ما حدا برئيس المجلس إلى رفع الجلسة وتأجيلها للأربعاء. ومن بين التعديلات الدستورية المقترحة إضافة كلمة “الأردنيات” إلى جانب كلمة “الأردنيون” في المادة الأولى من الدستور وإنشاء “مجلس الأمن القومي” و”تقليص مدة رئاسة مجلس النواب لسنة واحدة بدلا من سنتين” وتخويل الهيئة المستقلة للانتخابات للنظر بطلبات تأسيس الأحزاب بدلا من وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية بالإضافة إلى تمكين ربع أعضاء مجلس النواب، البالغ مجموعهم 130 نائبا، طلب التصويت على الثقة بالحكومة بدلا من 10 أعضاء. وحصلت مشادات كلامية بين رئيس المجلس عبدالكريم الدغمي وعدد من النواب عندما بدأت مناقشة الفقرة الأولى المتعلقة بإضافة كلمة “الأردنيات”، حيث رأى عدد من الأعضاء أنه ليست هناك حاجة لإضافة هذه الكلمة للدستور الأردني الصادر عام 1952. كما اعترض نواب آخرون على طريقة إدارة الجلسة من قبل رئيس المجلس. عريب الرنتاوي: قوى معادية للإصلاح تحاول إفشال توصيات اللجنة الملكية وقال عبدالمنعم العودات رئيس اللجنة النيابية القانونية التي أقرت هذه التعديلات في كلمة خلال الجلسة التي بثها التلفزيون الأردني إن “إضافة كلمة الأردنيات إلى جانب كلمة الأردنيون في المادة الأولى من مشروع تعديل الدستور الأردني تهدف إلى المساواة في الحقوق والواجبات لكلا الطرفين”. وأضاف أن “اللجنة لا تقلل من حرص النواب على وطنهم ودستورهم”، موضحا أن “اللجنة استمعت إلى عدد من الخبراء حول التعديلات الدستورية”. ويشير مراقبون إلى أن التشويش على التعديلات الدستورية الممهدة لمناقشة توصيات اللجنة الملكية تؤكد القول إن التوصيات مشاريع خلافات مستقبلية بين النواب الذين يصف بعضهم التوصيات بالفاقدة للإصلاح فيما يعتبر البعض الآخر أنها همشت ثقلهم الاجتماعي الوازن على غرار المكون العشائري. وتثير ردات الفعل الأولية على مخرجات اللجنة تساؤلات حول مصير هذه المخرجات، والعوائق التي قد تقف في طريقها، ومدى جدية تنفيذها على أرض الواقع. ويتوقع محللون أن تلقى بعض توصيات اللجنة رفضا حزبيا واسعا من أطراف سياسية قد تعتقد أن إدراج مثل هذه التوصيات في القانون الانتخابي الجديد على سبيل المثال سيقلص من حظوظها الانتخابية. ومنحت لجنة التحديث السياسي على سبيل المثال الأحزاب حصة كبيرة في البرلمان يقول منتقدون إنها لا تعادل وزنها الحقيقي، بينما استهدفت المكون العشائري القوي اجتماعيا في المملكة. ويقول المحلل السياسي عريب الرنتاوي إن هناك “فجوة الثقة بين الأردنيين ومؤسسات الدولة”، ويضيف “الأردن نظم العديد من المبادرات، وشكل عددا كبيرا من اللجان التي لم يلق عملها طريقه إلى التنفيذ”. واعتبر الرنتاوي أن “هناك قوى معادية للإصلاح السياسي في البلاد ستحاول إفشال هذه التوصيات”. وتعزز توصيات اللجنة إشراك الشباب والمرأة في الحياة السياسية، حيث خفض مشروع القانون سن الترشح إلى 25 عاما، ونص على أن تلتزم القائمة بوجود شاب (أو شابة) على الأقل بعمر لا يتجاوز 35 عاما، ترتيبه (أو ترتيبها) ضمن المترشحين الخمسة الأوائل، وأن تلتزم القائمة المترشحة على مستوى الدائرة العامة بوجود امرأة مترشحة واحدة على الأقل ترتيبها ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل، ووجود امرأة مترشحة واحدة على الأقل ترتيبها ضمن المترشحين الثلاثة التالين. ولضمان التمثيل العادل، اشترط القانون على القائمة المترشحة على الدائرة العامة وجود مترشحين فيها موزعين على نصف الدوائر الانتخابية المحلية على مستوى المملكة. الأجواء تنذر بابتداء معركة قوية داخل المنظومة السياسية، حيث يتوقع مراقبون أن يبرز مجددا مصطلح "قوى الشد العكسي" وتنذر هذه الأجواء بابتداء معركة قوية داخل المنظومة السياسية، حيث يتوقع مراقبون أن يبرز مجددا مصطلح “قوى الشد العكسي” التي تمثل في العرف السياسي الأردني التيار المحافظ الذي يسعى للحفاظ على الوضع الراهن، ويكرس الواقع شبه الريعي للدولة، والذي يساعد هذه القوى على احتكار السلطة والمال. ويرى هؤلاء أن هذه القوى ستسعى لإعاقة الدورة الدستورية لهذه المخرجات، وتوظف حالة اليأس العام والعزوف الشعبي؛ لإضعاف الحالة السياسية بشكل متزايد، ووضع العصي في دواليب الإصلاح والتغيير. ويقول المحلل السياسي رامي عياصرة “تبقى الشكوك قائمة في تحقيق تحديث المنظومة السياسية الذي تنشده اللجنة الملكية؛ طالما لم ترافق مخرجاتها بيئة سياسية تساعدها على أن تؤتي ثمارها”. وأضاف عياصرة أن “التحدي القائم أمام صاحب القرار وجميع أجهزة الدولة يتمثل في إقناع المواطن الأردني بأننا مقبلون على مرحلة جديدة، تشمل تنمية العمل الحزبي ورفع القيود الأمنية المفروضة عليه، بما ينعكس إيجابا على شكل البرلمان القادم”. وتتوقع مصادر أردنية، في حال إقرار توصيات اللجنة الملكية وتحويلها إلى قوانين نافذة، ألا يبقى على الساحة الحزبية سوى 8 أحزاب من أصل 49 قائمة حاليا، ونشوء 40 حزبا جديدا.
مشاركة :