رؤيا أم أضغاث أحلام؟

  • 11/16/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد سَمِعْنَا ما قُلْتَ في الأحْلامِ وَأنَلْنَاكَ بَدْرَةً في المَنَامِ وَانْتَبَهْنَا كمَا انْتَبَهْتَ بلا شَيْءٍ فكانَ النّوَالُ قَدْرَ الكَلامِ «المتنبي» كنت أقود سيارتي فإذا الشوارع خالية من الازدحام ونظيفة كأفضل شوارع أوروبا. وصلت إلى السوق، فإذا بمواقف السيارات متوفرة، وفوجئت بأن البائعين كلهم من شباب وشابات البلد. ثم طفت بالشركات والمؤسسات والمستشفيات والمتاجر والبقالات والمطاعم، فإذا بالموظفين في مختلف المواقع كلهم من تراب هذه الأرض الطاهرة، فيما عدا قلة من ذوي الاختصاص هنا أو هناك. ثم مررت بساحل البحر فرأيت مجموعة كبيرة من الآسيويين، عرفت إنهم سياح من كوريا والهند واليابان أتوا للاستمتاع بجونا الدافئ وبيئتنا الصحراوية الجميلة. سألت أحد المارة: ما الذي حدث؟ فرد علي: ألا تعلم؟ لقد استغْنَت الدولة عن 14 مليونا من العمالة الأجنبية غير الماهرة وشبه الماهرة. وأعادتهم إلى بلدانهم حفاظا على هوية بلدنا من الضياع، وحفظا لاقتصادنا وبيئتنا ومجتمعنا من الضعف والتفكك. وواصل حديثه في حماس: إنها مبادرة تُحتذى وخطوة جريئة سيتحدث بها الركبان سنين طويلة. نحن نحب كل شعوب الأرض ولكننا لسنا مسؤولين عن إعاشتهم وإسكانهم بيننا. وسنتصرف بناء على حاجتنا فقط ومصالحنا الوطنية العليا وهويتنا، وبما يحقق خلق مجتمع عامل ومنتج. وسنقصر الاستعانة بالأجانب على التخصصات التي نشكو فيها من بعض النقص، كأساتذة الجامعات والأطباء وبعض التخصصات الهندسية والعلمية النادرة. لقد قررنا أن يكون المكان الذي نعيش فيه وطنا لا متجرا ولا مزرعة تباع بسعر السوق. قلت وكيف سنعيش من دون كومار وخورشيد وإشفاق؟ قال كما عاش أجدادك. والأمّة التي تريد أن تنهض لا تنهض بغير أبنائها. وإن احتاجت لبعض العون من غيرها، فلتختر من الأمم المتقدمة من يعينها على النهوض، لا الأمم المتأخرة التي تجرها إلى السقوط. نحن تخلينا عن كل شيء مقابل لا شيء، ورضينا أن نتحول إلى غرباء في أوطاننا من أجل أن نبني جسرا كان بإمكاننا أن نبنيه بأيدينا، ومقابل أن تمتلئ جيوب قلة من الأفراد المنتفعين منا على حساب الوطن.  وواصل حديثه، ستوفر البلد ما يعادل عشرة بلايين متر مكعب من الماء سنويا. وسينخفض مستوى الجريمة لدينا إلى أكثر من النصف. وسينخفض سعر الأراضي والعقار بشكل مذهل. وبإمكانك أن تستأجر شقة جميلة في أكبر مدن المملكة بسعر سنوي لا يتجاوز 5000 ريال. لا تقلق، فأبناؤك سوف يأخذهم إلى المدرسة سائق الحافلة المواطن. وقد تأخذهم أمهم بسيارتها إلى المدرسة، فالحاجة هي أم الاختراع. أمك المريضة سوف تعتني بها أنت وأهلك لا الخادمات، وستجد أن أمك أسرع إلى الشفاء وأقرب إلى الرضا عليك، وأنك أقرب إلى الله. عِطرُ زوجتك أو ابنتك أو أختك لن يشمه رجل غريب ولن يرى تفاصيل أجسامهن ويشتهيهن سائق أجنبي. قلت له ولكنهم يساهمون في بناء البلد ونهضته. تبسَّمَ تبسُّم الخبير. وقال هذه خرافة لا يصدقها إلا المغفلون. هؤلاء العمال أكثر من 90% منهم عمالة غير ماهرة. أي إنها عبء على أي اقتصاد. ثم من قال لك إنهم يبنون؟ فالمصانع والمتاجر ورؤوس الأموال تضيف قيمة لاقتصاد البلد، أي بلد، فقط عندما تكون مصدرا لتوليد الوظائف للمواطنين وتطوير قدراتهم، وعندما تنافس بمنتجاتها على مستوى الأسواق العالمية لتجلب عملة صعبة.  قل لي، أتعلَم كم تكلفة وجود هؤلاء على اقتصاد البلاد؟ قلت لا. قال دعك من تحويلاتهم المادية إلى بلدانهم التي تبلغ أكثر من 150 مليار دولار سنويا. فالتكلفة غير المرئية أعظم بكثير. قلت وما هي؟ قال رحمك الله إنهم هم المنتفعون من الشوارع والمرافق والماء والكهرباء والبنزين الذي يباع بسعر بخس. وهم المالكون الحقيقيون لكثير من المتاجر والمصانع والورش والمقاولات. وأبناء الشعب يأخذون الفتات لقاء كسلهم واستخدام أسمائهم. هم الموظفون في كل منظمة ومؤسسة وهم الذين يستغلون مرافق ومعدات وأجهزة منظماتهم لأعمالهم الخاصة. هم سائقو الشاحنات التي طحنت شبابنا في حوادث الطرق. وهم جزء كبير من سبب البطالة والاتكالية التي تعم البلد. وهم مستهلكون رئيسون للموارد الناضبة كالماء والبنزين. وهم الملوثون للجو والبيئة والمهلكون للبنية التحتية. وهم مصدر الزحام والاختناقات المرورية والضجيج في الشوارع والأسواق. وهم الذين أكلنا على أيديهم لحم الكلاب والقطط والحمير.   قال: ألم تقرأ تقرير وزارة العدل مؤخرا بأن العمالة الأجنبية ترتكب 54 جناية كل يوم أي بمعدل جناية كل 24 دقيقة؟ وتتراوح جرائمهم بين القتل والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والاتجار بالبشر والفاحشة والخطف والسرقة. وتزيد نسبة الجرائم التي يرتكبونها عن 40% من الجرائم بالمملكة!. قلت أليس في كلامك بعض العنصرية؟ قال على العكس، فإني على المستوى الشخصي أرى عديدا منهم من أنبل الناس وأكثرهم صدقا. ولكن عندما تحسب مصالح الأوطان، فلا ينظر إلى الأمور إلا بشكل شمولي وبعيد المدى. نحن في خطر داهم خلقناه بإيدينا، فقد ألفنا حياة الدعة والكسل، ورمينا كل مسؤولياتنا جانبا، ووكلنا غيرنا ليقوم بوظائفنا ومهامنا  الأساسية.  ثم قال: عندما نحزم حقائبنا للسياحة في الغرب، تكون أعدادنا قليلة مهما كثرت، وموزعة على دول كثيرة ولا تقارن بأعداد العمالة الأجنبية عندنا. ونحن نذهب هناك في أوقات محدودة لننفق بسخاء يحيي اقتصادهم. ومع ذلك، فهم لا يحتملون بعض تصرفاتنا التي تسيء إلى حضارتهم وتقض راحتهم في فصل الصيف. فتخرج المظاهرات والصحف ووسائل الإعلام تطالب برحلينا ومنع دخولنا مرة أخرى إلى بلدانهم.  رنّ منبه الساعة فنهضت من حلمي مسرعا إلى الشارع لأتأكد مِمَّا رأيت، فإذا به يعج بالعمال الوافدين. وقدت سيارتي، فإذا بالحافلات وسيارات النقل التي تنفث دخانها الأسود في الجو تملأ الطريق. وعند الإشارة كان كل من حولي منهم. وما أن أضاءت الإشارة بلونها الأخضر حتى انحرف عليّ السائق الذي على يميني بزاوية حادة لينعطف يسارا ويقوم باستدارة كاملة في الاتجاه المعاكس، ويفتح نافذة سيارته ليبصق في الشارع وكأنه ينثر ورودا على المارين، أو يقول لهم صباح الفل يا حلوين! عندها تيقنت أن رؤياي كانت أضغاث أحلام.

مشاركة :