بدأت خارطة التحالفات في العراق تتضح مع نجاح القوى السنية الممثلة في تكتلي “تقدم” و”العزم” في تشكيل تحالف جامع بينهما، وتمكّنِ الحزبين الكرديين الرئيسيين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني من تذليل الخلافات في ما بينهما والتوجه إلى إعلان تشكيل وفد تفاوضي موحّد. وتقول أوساط سياسية عراقية إن الترتيبات الجارية على الساحتين السنية والكردية مقدمة لإعلان تحالف أكبر بين هذه القوى والتيار الصدري المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية، والذي يطمح إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تقطع مع منظومة التوافق التي حكمت البلاد طيلة السنوات الماضية. وتشير الأوساط إلى أن الطريق تبدو مفتوحة أمام التيار الصدري لبناء تحالف نيابي مريح مع القوى السنية والكردية، خاصة إذا ما نجح في تعزيزه من خلال انضمام المستقلين، وهذا ما قد يقود القوى الموالية لإيران إلى دفة المعارضة. وتوضح الأوساط أن هذا التحالف من شأنه أن يكسر قاعدة التوافق التي بنيت عليها الحكومات السابقة والتي أدت بالبلاد إلى منزلقات خطيرة سواء على مستوى ممارسة العملية السياسية التي شابها الكثير من الخلل، وأيضا تفشي الفساد والمحسوبية. محمود محمد: ينبغي أن نختبر صيغة أخرى للحكم في هذا البلد وتقول الأوساط إن ذلك لا يعني أن هذا التغيير على مستوى معادلة السلطة قد يقود إلى تحسن في أوضاع العراقيين، خاصة وأن القوى التي ستقود المرحلة المقبلة كانت جزءا رئيسيا من المنظومة التي انتفض ضدها الشارع العراقي. وأعلن تحالفا تقدم والعزم السنيان في العراق مساء الأربعاء الاندماج وتشكيل تحالف سني يضم 64 نائبا قبل انعقاد أول جلسة للبرلمان العراقي الجديد الأحد المقبل. ويلقى الائتلاف السني ارتياح التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق وأن شارك في جهود تذليل الخلافات بين زعيمي تقدم والعزم: رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي ورجل الأعمال خميس الخنجر. كما يحظى هذا الائتلاف السني الوليد بدعم عربي، وقد سبق إعلان دخول التكتلين في اتحاد، قيام الحلبوسي والخنجر بجولة عربية معا شملت الإمارات والأردن ومصر. ودعا الحلبوسي في بيان صحافي إلى العمل سوية من أجل استقرار وإعمار البلاد وتوحيد المواقف لتحقيق وحدة العراق. فيما قال الخنجر في بيان مماثل إنهم ماضون مع تحالف تقدم في خدمة العراق وحماية حقوق أهلنا وعدم الاستماع للضغوط التي تحاول إبعادهم عن العمل المشترك. ويرى مراقبون أن نجاح الحلبوسي والخنجر في تجاوز خلافات الماضي خطوة مهمة ستجعل من الطرفين رقما صعبا في المعادلة العراقية لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، ويأمل من خلالها سنة العراق في استعادة قدر من التوازن داخل المنظومة السياسية التي شهدت اختلالا ليس فقط بسبب هيمنة القوى الموالية لإيران بل وأيضا نتيجة الانقسامات بين القوى الممثلة لهذه الطائفة داخل العراق. ولا تقتصر الاختراقات فقط على الساحة السنية فقد برزت تطورات جديدة على الساحة الكردية وتحديدا بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني اللذين توصلا إلى اتفاق حول جملة من الخطوط العريضة، الأمر الذي يمهّد لإعلان وفد تفاوضي مشترك. وأكد المتحدث باسم الحزب الديمقراطي محمود محمد الخميس أنه “تمت كتابة برنامج عمل مشترك بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وأن الجانبين اتفقا على البرنامج الذي يضم في أغلبه ما دعا إليه الحزبان في برامجهما الانتخابية، ومنها الشراكة وحل المشكلات مع الحكومة الاتحادية حول الموازنة والرواتب والمادة 140 الدستورية والبيشمركة”. وأوضح في تصريحات صحافية أن “الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني سيشكلان وفدا مشتركا للتفاوض مع الأطراف التي ستشكل الحكومة الاتحادية الجديدة، وستكون الزيارات والمحادثات من اليوم فصاعدا من خلال وفود مشتركة بين الحزبين”. وأعلن المتحدث باسم الحزب الديمقراطي صراحة عن نيتهم الدخول في تحالف مع التيار الصدري ومع السنة لتشكيل حكومة أغلبية، مشيرا إلى أن قرار المشاركة في هذه الحكومة محسوم بغض النظر عن موقف الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الموالية لإيران. وأظهر القيادي في الحزب الديمقراطي تماهيا مع موقف التيار الصدري لجهة تشكيل حكومة أغلبية، قائلا “الصدريون مع تشكيل حكومة أغلبية وطنية وهي في نظرهم حكومة لا يمكن أن تشارك فيها كافة الأحزاب، كما كان يحصل في السابق من خلال التوافق، لذا رأوا أن تشكل مجموعة من الأحزاب الحكومة وتكون هناك معارضة”. ورأى محمد أنه “قد تكون فكرتهم نافعة في أوجه، لأن كل الحكومات التي تشكلت بعد 2003 قامت على أساس التوافق، ويمكننا القول إنها لم تكن ناجحة في تنفيذ تعهداتها ووعودها للشعب ولإقليم كردستان، لذا ينبغي أن نختبر من الآن فصاعدا صيغة أخرى للحكم في هذا البلد”، مردفا أن “المالكي حاليا من الفائزين، لكنه يتولى قيادة الخاسرين ضمن الإطار التنسيقي”. وهذا أول موقف واضح وصريح للحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن نيته التحالف مع التيار الصدري، ويرى متابعون أن الحزب الكردي الذي تحصل على مرتبة ثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان يميل منذ البداية إلى التحالف مع الصدريين لكنه حرص كما السنة على عدم حسم موقفه إلى حين مصادقة المحكمة الدستورية على النتائج حتى لا يجد نفسه عالقا في خلافات البيت الشيعي. نجاح الحلبوسي والخنجر في تجاوز خلافات الماضي خطوة مهمة ستجعل من الطرفين رقما صعبا في المعادلة العراقية لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه وقال محمود محمد “منذ اليوم الأول الذي تلا الانتخابات، قلنا للصدريين ولكل الأطراف إننا لن نصبح جزءا من خلق المشكلات أو تعظيمها داخل البيت الشيعي، وقد التزمنا بهذا حتى الآن، لكن اليوم هو يوم اتخاذ القرار، لذا وفي اجتماعات كثيرة مع التيار الصدري كنا نستحسن ألا تكون عندهم خطوط حمر، وليفسحوا مجال المشاركة أمام من يريد المشاركة، وكانت هناك جهود لمنع إقصاء كل المتواجدين ضمن الإطار التنسيقي”. وأشار المتحدث باسم الحزب الديمقراطي “بذلنا جهودنا وسنواصل جهودنا في الأيام القليلة المتبقية لإشراك أغلبية أكبر من الموجودة حاليا، لكن إن لم يتحقق هذا، لا يمكن بقاء هذا الفراغ في المؤسسات، لأن هناك حاجة لتشكيل حكومة تتولى حل المشكلات القائمة، لذا يجب أن يتخذ في هذه الأيام القليلة المتبقية قرار بشأن هذه المواضيع”. ويرى المتابعون أن الطريق باتت معبدة أمام ولادة تحالف بين الصدريين والأكراد والسنة، مشيرين إلى أن انضمام الكتلة المستقلة إلى هذا التحالف غير وارد، وإن كان من غير المستبعد أن يحصل التحالف على دعمها داخل مجلس النواب. ووقع الرئيس العراقي برهم صالح الخميس الماضي على المرسوم الجمهوري لدعوة مجلس النواب الجديد للانعقاد في التاسع من الشهر الجاري. وأكد صالح في مرسومه على ضرورة “تلبية الاستحقاق الوطني بتشكيل حكومة مقتدرة فاعلة، تحمي مصالح البلد وتعزز السيادة، حامية وخادمة للعراقيين”، مؤكدا أن “هذا يستوجب التكاتف من أجل تحقيق الإصلاح المطلوب لعراق مستقر ومزدهر”. وشهد العراق في العاشر من أكتوبر الماضي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة تصدرها التيار الصدري بـ73 مقعدا من أصل 329، في حين حصد تحالف تقدم 37 مقعدا، وائتلاف دولة القانون 33 مقعدا، والحزب الديمقراطي 31 مقعدا. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :