تزايد الإهتمام بفن الرواية وأصبحَ مجالاً متشعباً بثيماته المتعددة ومكره في اختراق محمية المحرمات وإثارة الأسئلة بشأنِ العقليات المُهيمنة والأهمُ في هذا السياق هو حضور المرأة الكاتبة في فضاء الإبداع الروائي إذ تمكنتْ من كسر الحصار الذي ضربه الخطاب السائد حول اختياراتها الثقافية والفكرية. حول وظيفة الرواية ومايمكن أن يقدمُه الروائي في معترك الحياة وأفق تطور الإبداع بعد تراخي سلطة الرقيب الخارجي كان لنا حوار مع الكاتبة الفلسطينية هيلانة الشيخ لكل كاتب فلسفته في أعماله الروائية 1هل توافقين كولن ولسون في رأيه بأن الوظيفة الأولى للرواية هي المتعة ؟ العجيب أن تخرج هذه المقولة من رجل حفر الصخر ليبلغ هذه الوظيفة كما يقول! فوالده كان عاملًا في أحد مصانع الأحذية، ترك تعليمه مبكرًا ليساعده، فكيف جمع كولن هذه التناقضات؟! بعد نجاح "اللّا منتمي" هوجم من الصحافة والنقّاد واتهموه بالنفاق والتزييف. يقول فرانسيس بيكون : "القراءة تصنع إنسانًا كاملاً، والمشورة تصنع إنسانًا مستعدًا، والكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا" بينما يقول كافكا: "الكتابة شكلٌ من أشكال الصلاة" لكل كاتب فلسفته التي يوظّفها من خلال أعماله الروائية، لا أتفق معه كون المتعة لها عدة مفاهيم لا تتحقق بذات القدر في القراءة، الكاتب لابد أن يكون صاحب موقفٍ قبل كل متعة يحققها. الحيادية ممتعة لمن يسيرون في الشوارع ولا يدركون متعة عامل النظافة عندما تتسخ يديه ليحقق معادلة النظافة. قلّة من يدركون الفارق بين لذة المعركة ولذة المشاهدة، بين متعة البناء ومتعة شراء منزل عصريٍّ مجهّز بالتكييف وأرضيات مرمرية. لماذا نحيّد أقلامنا ونطالب القراء أن يكونوا منصفين لنا؟ علاقة مرضيّة تلغي لذة القراءة المتحررة وتفرض مبدأ مع القطيع وضد من يخرجون عنه. والمؤسف بحق أن الكاتب رغم يقينه أن هؤلاء أتباعه يتناولون كتاباته كما يتناولون البرسيم إلّا أنه يعرف كيف ومتى يعلفهم . ومتى يدرك الكاتب أن بضاعته فسدت وإن حُصدت؟! يبقى السؤال: ولمن يعود الفضل؟ الكتابة عن المهمشين لا تعني الكتابة لهم 2 - لا تنفصل بدايات فن الرواية عن واقع المهمشين والتعبير عن الرغبة لتقويض ثنائية النخبة والعامة برأيك هل نجحت الرواية العربية على هذا المستوى؟ إلى حدٍ ما، الرواية أخطر فنٍ تُبنى عليها فنون أخرى، فكل إنجاز يبدأ بفكرة، وكل فكرة لابد من سردها على ورق ثم نقلها إلى مساحة حيّة كخشبة مسرح أو مقطوعة صوتية أو مرئية. أنت تبني فِكرًا لابد أن تخاطب كل شريحة بما يتفق مع قدرتها، لا يمكنك كتابة رواية واحدة تستجيب لها جميع الفئات، الكتابة عن المهمشين لا تعني الكتابة لهم، فعندما نكتب عن قضايا الجوع والفقر والمرض واللجوء وأسرى الحرب، هل بربك هم قادرون على قراءة ما نكتبه؟ نحن نحاول بالكتابة نبش الواقع وتعريته لفئةٍ قادرة على التغيير، نكتب إلى جيلٍ يبحث عن فتيل ثورة كامنة داخله، نكتب لمن يبحثون عن قطرة ماء في جوف صحراء. لن تحدث طفرة برواية عربية وإن حصدت جائزةً عالمية، نصفق ونهلل وفي قرارة أنفسنا نعي أنها مجرد رواية للقراءة فقط، إن لم تتحول إلى فنٍ تالٍ كفيلم سينمائي لن تنجح في إحداث تغيير فعلي، وعلى سبيل الذكر لا الحصر- رواية يعقوبيان أو ساق البامبو التي تحولت إلى مسلسلٍ تلفزيوني فحقق ضجة في الوسط الخليجي. نهاية عصر الثورة النسوية 3- ما رأيك بشأن التيار النسوي هل تمكنت المرأة من التغريد خارج هموم الجنوسة في المجال الإبداعي؟ انتهى عصر الثورة النسوية، نحن نعاني فيما بعد النسوية، المرأة اليوم طغَت وتخلّت عن أجمل غرائزها -أمومتها- لأجل مقعدٍ وزاري أو منصب سياسي. أنا ضد هذه التيارات النسوية التي تطالب بالمساواة، حققت المرأة بكينونتها الأنثوية في كل مجالات الابداع، وتفوقت أيضًا على غريمها "الرجل". ترأست دول ميركل المرأة التي نهضت بألمانيا في أعصب سنتيّ الجائحة/ موزة زوجة حاكم قطر السابق ووالدة التالي، حولت قطر رغم صغرها إلى مقدمة الدول النامية. في الأدب كم امرأة حصدت نوبل عالميًا؟ وكم كاتبة حصدت البوكر عربيًا؟ نحن النساء نكتمل بالرجال ولا مفر لنا من جندرة الخانة، وعلى المرأة أن تتوقف عن تصدير المرأة كضحيّة في المجتمع. الابداع النسوي إذا حقق كفاءة الطرح لن يقابل بالرجم، الأدب الرديء طغى على أغلبية الأقلام من رجال ونساء، لكن المرأة تُذرّع فشلها بذكورية المجتمع. تمتلك المرأة بأنوثتها حاليًا كل أسباب النجاح، ولا أعني بأنوثتها الجسد! سحر الاختلاف وسحر الصدق، التماهي مع الواقع ففي "لوليتا" و"آنا كارنينا" و"مدام بوفاري"، غوستاف فلوبير تماهى مع بطلته إلى أن قال: "مدام بوفاري هي أنا"، واللبيب بالاشارة يفهم. رومانسيات أحلام مستغانمي وجبةً باردة 4 - مادور وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط المرئية في تلاشي النزعة الرومانسية في الكتابة الروائية؟ علينا عندما نكتب أن نحترم ذكاء جيلٍ يستخدم جميع وسائل التواصل. لم يعد الطفل ذلك الطفل الذي تخاطبه عبر مسلسل كرتوني كمسلسل سندباد وجزيرة الكنز، فكيف تسرد له قصصًا من الرومانسية المسطّحة وأنت تعي أنه لا يقرأ، ومن يقرؤون من جيل الشباب يتجهون نحو ما يسمى بأدب الرعب، انتهى زمن عنترة وامرؤ القيس وأصبحت رومانسيات أحلام مستغانمي وجبةً باردة بائتة لا يتناولها إلّا المحنّطون من زمن انتهت صلاحيته. على الكاتب أن يواكب عقلية القارئ الذي تجاوزت سرعة الضوء، صعدنا القمر وشيدنا ناطحات سحاب، ولا زال بعض الكتّاب مندثرون تحت رومانسية أقلام أكل عليها الدهر وشرب. لن تُرضيه بقصة حب مفرّغة من أبعاد فلسفية وانفعالات نفسية، أو مشاهدٍ ناريّة جريئة لتستطيع اشعال الركود فيه أولًا ثم اشباعه أدبيًا. 5 - هل يصح الحديثُ عن مقص الرقيب الخارجي في العصر السيبراني وماذا عن تجربتك مع ثالوث المحرم في أعمالك الروائية؟ يصح الحديث عنه ولا يصح التيمّن به. الرقيب الوحيد عليك أنت، أنت محاصر بمفاهيمك المزروعة داخلك، إن لم تتخلص منها لن يخلصك أحد. هذه التكنولوجيا مجرد أداة نتبادل عبرها السلامات والغراميات المحاكية للحميمية والمعايدات أكثر من تبادلنا الثقافات. الكتابة عن المحظورات في المجتمع العربي تناولتُ في أعمالي لما يصطلحُ عليه بالمحظورات في المجتمع العربي، بدءًا بالدين والتشريعات كالجلد والرجم وقطع اليد في روايتي "امرأة أمسكت في ذات الفعل" وتطرقت لحوار الأديان الثلاثة في النزاع على الأرض- فلسطين- والغيبيات في روايتي "فما بكت عليهم الأرض" كما تطرقتُ للشذوذ الجنسي في "تبسمت جهنم" والعلاقات الفيسبوكية. لافتاًتغطية ظاهرة الوهابية في القصيم والبكيرية والتطرف الديني والعنصرية في حقبة الثمانينات والتسعينات، تضافرا مع قضية الأطفال اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتحديدًا في مخيمات إربد، ومعاناة لجم الكاتب الحر في روايتي "البوكر" كذلك تطرقت للعنوسة وغشاء البكارة والحرمان وعوالم الكتابة والنشر في روايتي "بماذا أخبر الله". اطلاق العنان لأوجاعنا وذكرياتنا 6- هل الكتابة بالنسبة إليك تعويض لغياب الحب أو أن تجربة الحب هي دافع للانخراط في العملية الإبداعية؟ عندما نفقد صوت الحقيقة ووجه الحاضر نعتكف في عزلةٍ عن الواقع القبيح نرفض الصمت وننغمس في الخيال، نتنفسه كبديلٍ للهواء المسمَم الملوّث بدماء الأبرياء أو دنسِ الجهل والظلم ومرارة الحرمان والفقر الذي تحول إلى كابوسٍ قاتل أو حلمٍ واهٍ. هكذا نطلق العنان لأوجاعنا وذكرياتنا حتى لا تتفشى كالأورامِ في دواخلنا وتقتلنا نطلقها حسبما شاء القدر نحن لا نختار هو من يختارنا ويختار لنا البطولات بإنحيازٍ طاغٍ. يعبئُ بنا خاناته دون مراعاةٍ لما يتلاءم مع الأدوار والمساحات الخاوية. خبطٌ من العشوائيات يُجسد عملًا روائيًا يفرض نفسه عليك وتفرضه على ذاتك كي تكون أنتَ أنتَ لا سِواك. أنا أفترش نوباتي المجنونة بلونيّ الحزن والفرح/ العشق والكراهية/ الضعف والقوة/ الرغبة والرهبة/ الطُهر والعهر/ الجهل والمعرفة/ الحرية والعبودية/ الفقر والترف. أتلذذ بممارسة طقوسي على نص فيه من الرجم ما يؤلمني كفلسطينية ويداويني كأنثى، وفيه من البوح ما يمنحني مساحات شاسعة من الحرية التي نقرُّ بها ولا نملكها، نسيج يشبه الدانتيل الرقيق في تفاصيله، ويشبه الكتان السميك في تماسكه ويشبه الإنسان في غلاظة عقله ومرونة قلبه. الكتابة الإباحية لون سهل من الكتابة 7- ثمة خيط واهن بين الإيروتيكية والبونوغرافية هل تمكن المبدع العربي من إمساك بهذه الشعرة أو قد خلط بين الأوراق؟ قلّة من يدركون هذه الشعرة الرقيقة، الكتابة الإباحية لون سهل من الكتابة، كل ما عليك فقط أن تصف مشهدًا جنسيًا إباحيًا دون أن تلتفت للبعد الفلسفي أو النفسي من وراء هذا الطرح، نمطًا من السرد لتسليع الجسد فقط. بينما في الأدب كلمةِ إيروتيكيّة، آيروسيّة تعني إلهُ الحُبِ والخصوبة، الكتابة من دون الابتذال من الأدبيات الصعبة. لا يمكن أن نسمي ما يكتبه العرب حاليًا أدبًا إيروتيكيًا، فقديمًا تناولت بعض الثقافات مفهوم البطل الشهواني من خلال أحداث جنسية عبثية فصُوّر أفروديت أعمى لا يبصر، أو بجناحين في سماء زرقاء، أو على ظهر دولفين كما صوّره الأقباط. ولو راهنا على أكثر الأعمال جرأة لوجدنا "أصل الهوى" لحزامة حبايب، و"برهان العسل" لسلوى النعيمي، الأقرب للأدب الإيروتيك عربيًا. بينما يقف الجميع على المحك بما فيهم أنا.
مشاركة :