إذا كان صنع الخير ، خلقا كريما ، فإن الالتزام بقواعد المرور أمر مماثل . وأبادركم القول إن هذه المقارنة ليست ببعيدة على الإطلاق ، لأن الأخلاق بمعناها الأسمى ، هي الأمانة والانضباط وإتقان العمل. وكلها أمور أهّلت العالم المتقدم للوصول إلى ما هو عليه الآن .ودعونا نبدأ الحكاية.. فقبل آلاف السنين ، رأى الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو ، أن الأخلاق هي الأفعال الناتجة عن العقل من أجل الخير الأسمى «السعادة « . ومن ثم أوجد أرسطو علاقة وطيدة بين الأخلاق وسعادة الإنسان. وبذات النهج الفكري ، أورد معجم «المعاني» الجامع أن الأخلاق والتي هي جمع «خُلُق « مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان ، التي توصف «بالحُسْن أو القُبْح» . ما يعني أن هناك اتفاقا بين المعاجم والفلاسفة على أن الأخلاق سلوك وليس معرفة ..ممارسة حياتية تجعل للإنسان قيمة ومعنى . ولو لم تكن الأخلاق تستحق ذلك ، ما اختص الله تعالى ، نبيه الكريم في القرآن الكريم بهذه الصفة «وإنك لعلى خلق عظيم» . لأنها صفة تبقى حتى من بعد رحيل الإنسان عن الدنيا. إذ تبقى ذكرى الخلق الطيب حية لا تموت. وإن لم يكن للأخلاق هذه القيمة ، ما صارت علما «علم الأخلاق « وهو أحد أقسام الفلسفة ، وهو «علم نظريّ يحدِّد مبادئ عمل الإنسان في العالم وغرضه تحديد الغاية العليا للإنسان أو هو علم بالفضائل وكيفية التحلِّي بها والرذائل وكيفيّة تجنّبها «. إذن ، نحن أمام أمور سلوكية ، يجب أن تتجسد على أرض الواقع . فالمعرفة إن لم تتحول إلى سلوك ، تصبح عديمة القيمة لأن كل ما يقوم به الإنسان ، يعد أخلاقا وحين تصبح هذه الأخلاق أو السلوكيات ، تلقائية ، نكون قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من التطور. بمعنى أنه حين تعتاد على إتقان العمل وأداء المهام بإخلاص واحترام الآخر قولا وعملا والالتزام بقواعد المجتمع والقوانين التي أقرها والتي تنظم سير الحياة فيه من نواح متعددة ...حين تحقق كل ذلك فإنك تلتزم بقواعد الأخلاق. الأخلاق معنى أوسع بكثير ولا يجب أبدا أن نختزلها في زوايا ضيقة ، وهي ببساطة :سلوك وممارسة من أجل تحقيق السعادة للإنسان ، كما سبق وقال أرسطو . فحين تبر والديك وتحسن لهما ، فهذه أخلاق ، حين تكتم سر غيرك وتكظم غيظك وتشكر الناس وتبتسم في وجوههم حتى من أساءوا إليك ، حين تساعد الغير دون انتظار مقابل ، وتكرمهم إن استطعت ، وتحيي الأمل في نفوسهم ، تجاملهم كلما ساعدتك الظروف .. كلها أخلاق ، وكم نحن في أمس الحاجة إليها . لذلك أصاب جمال الدين الأفغاني ، حين قال «لا أمة بدون أخلاق ولا أخلاق بدون عقيدة ولا عقيدة بدون فهم «.
مشاركة :