رحاب أبوزيد: كتابة الرواية عندي حياة

  • 1/26/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تترك للقارئ حرية اختيار مكانه بين الصفوف، ويهمها أن يبقى الإطار متماسكاً محبكاً في السرد الروائي، هي روائية عاشقة لشخصياتها المنغمسة في المجتمع، المتفاعلة مع أحداثهم الحياتية اليومية، ليست مجرد ساردة عادية، بل هي المنغمسة حد النخاع مع أبطالها وأحداثهم التي ينسجونها بقلمها. رحاب أبوزيد، من تمتلك ناصية الإبداع، وهي في الأساس مترجمة إلى الإنجليزية والعكس صحيح، ما زاد ثراءها بالقراءات الأجنبية لكبار الكتاب، بين هذه السطور يسرنا أن نستضيف رحاب أبو زيد لتحكي تجربتها السردية. شخصيات رواياتك تنوعت بين الطبقات الاجتماعية، كيف تتعاملين مع شخوص قصصك ومن أين تستقينها؟ إذا كانت الحياة مخزن الشخوص، فهي لا تبيعهم بلا مقابل، وإذا كان العقل مصنع الشخوص فهو لا يستجيب للكاتب بلا مقابل، لذلك لزاماً عليّ التعامل مع هذه الأثمان مقدماً ومؤخراً قبل تصنيف الشخوص، هذا مبدئياً، ثم تأتي مرحلة الفرز وفقاً للدور الذي تؤديه كل شخصية والتقاطعات التي تخوضها في القصة الكبيرة. شخصية كالبتول في " الرقص على أسنة الرماح" أو يزن في " كيرم" تعتبر رئيسية وفقاً للخطوط التي رسمت لها، لكنها ونظراً للظروف المحيطة بها، هي ربما ضحية لمجموعة عوامل مجتمعية، بينما الشخصيات الأخرى في العملين يملكون زمام النص أكثر، فلا تعود تعرف من البطل هنا، هل هو الذي بيده الفعل أم الذي وقع عليه الفعل؟ وهنا أترك للقارئ حرية اختيار مكانه بين الصفوف، يهمني أن يبقى الإطار متماسكاً محبكاً لا هو بفضفاض ولا هو بخانق، وأن يقول العمل ككل كلمته النهائية وأن يقود القارئ للتأمل. تعتبر كتابة الرواية معركة يخوضها الكاتب منذ بداية تعاطيه مع الفكرة إلى رسم الشخصيات ومن ثم عوالم السرد التي تقوده لكتابة الأحداث، كيف تصفين حالتك مع هذه الأجواء؟ لم أكن على وعي كامل بأني أنسج من/ في حياتي اليومية رواية، وأني أعيشها بحذافيرها كأنها سطور ودوائر تحوم في خيالي، إلا منذ وقت قصير تكشفت لي من خلال صدامات الإنسان مع نفسه وواقعه والآخرين، ومن علاقاته على مستويات عدة مع التغيير الهائل من حوله في موازين قوى القيم والأخلاق، والمقبول والمرفوض، والصائب والخطأ والخطيئة، كنت ولازلت أراقب نفسي إزاء مواجهة الناس والأنظمة التي تحكمهم بدءاً من النظام العائلي والعملي والعاطفي، ثم لاحظت أني أبتعد عن الرواية كممارسة كتابة لأكتبها حياتياً، وبشكل يومي، تلح التفاصيل على وجداني، ترن الكلمات التي تمر بسمعي عرضاً أو عن قصد في عقلي، تسجل حواسي كل التفاصيل، الأمر الذي شئت أم أبيت يعيدني للرواية كفن وهاجس وأفق يؤطر عوالمي، ومن هنا أتحدت الكتابة والواقع ضدي، وأصبحت معذبة بين انجذاب للواقع المعاش واليومي والعادي وبين سيطرة الفن على تقييماتي ومعاملاتي وطرق تعاطيّ مع معطيات الحياة. ماذا عن مشاريعك الإبداعية الجديدة، وهل هناك عمل قادم تشتغلين عليه؟ هناك بالفعل عمل يستنزف طاقاتي الروحية والشعورية ووقتي وقدراتي الذهنية منذ أكثر من خمسة أعوام، وكأني به يتلذذ بهذا الفوران بداخلي ولا يسعى لخاتمة. هل سيرى النور قريباً؟ لا أظن، لأني لا أسعى لذلك حالياً، لكني أسعى لإنقاذ أزمان وشخوص من مطحنة النسيان، لا أريد له أن يرى النور، أريده أن يكون هو النور الذي ينتشلني وجماعتي من القراء من أفلاك الذكريات والتحليلات والتهويمات والتخيلات، ويعيد خلق ذلك في واقع جديد موازٍ، فإذا فعل وفعلت سأجده يفرض نفسه كتاباً ملموساً بين يديّ القراء. ربما. يعيش السارد بين القصة القصيرة والرواية، أيهما تعتقدين أنه الأكثر جذباً لك؟ أجمل ما في القصة القصيرة أنها لا تطلب منك الاختلاء بطقوسك الخاصة، وفرض مسافة عن كل ما يحيط بك لتراها من الخارج والداخل كما هو الحال مع الرواية، المرآة بالرواية ثنائية الجانب وكي تستنفد وقتك ومهاراتك بين الجهتين وتربط بينهما فأنت بحاجة ماسة وملحة وعصيبة للتوحد والاختلاء بأفكارك واستنتاجاتك، أما القصة القصيرة فهي تكتبك في الزحام، تبزغ كغيمة ثقيلة فوق إشارة مرور حمراء، تباغتك مكتوبة تجيء بحلتها وبنائها وخاتمتها قبل مستهلها، لأنها في تكوينها معادلات محلولة ومعقدة، هكذا أراها.

مشاركة :