لم تعد أزمة جماعة الحوثي الميليشياوية الإرهابية، قضية الخليج العربي فحسب، ولا مسألة تهم المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة وحدهما، ذلك أن الشر المتصاعد يوما تلو الآخر، يدفع في طريق التفكير أمميا وعلى المستوى الدولي. منذ العام 2017 وميليشيات الحوثي تمارس إرهابا وإرعابا علنيين، ومن دون مواجهة حاسمة حازمة من المجتمع الدولي عامة، ومن الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي بشكل خاص . ولعلنا لا نجافي أو ننافي الحقيقة إن قلنا إن هناك ما يشبه التواطؤ مع الحوثي، من واشنطن وبروكسيل، وعلى غير المصدق أن يعود القهقرى ليتذكر كيف أن الأصوات الأوربية تعالت بالصراخ الحاد حين اقتربت قوات التحالف الدولي من تحرير ميناء الحديدة، ذلك الذي بات وكرا للإرهاب الحوثي وملجأ لتهريب الأسلحة من إيران. كانت الحجة التي تذرع بها الاتحاد الأوربي، هي أن تحرير الميناء سوف يؤثر على المساعدات الإنسانية التي يحتاجها نحو 20 مليون من أصل 30 مليون يمني، يعانون الجوع والمرض، على الرغم من أن أصغر حكومة في العالم، يمكنها أن تفرق بين مسألة تقديم المساعدات من جهة، والتصدي للإرهاب من جهة ثانية. أما الولايات المتحدة، فمن الواضح ومنذ الأيام الأولى لولاية جو بايدن، أنها قدمت عربونا مجانيا لإيران، من خلال رفع اسم الحوثي من قائمة الجماعات المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. العربون الذي نتحدث عنه يتمثل في محاولة ترضية حكومة الملالي في طهران، وهي المسؤولة في الأصل عن الشر الحوثي، لا سيما بعد صدور تقرير عن مجلس الأمن الدولي يقر بأن إيران هي من قام ويقوم بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين لاستخدامها في تهديد جيرانها، تارة بالصواريخ الباليستية، وتارة أخرى بالطائرات المسيرة، تلك التي باتت وبالا على القاصي والداني. ولعله من المثير أن ترى واشنطن كل ما يجري، وفي الوقت عينه تتقاعس عن القيام بواجبها تجاه جماعة إرهابية، ما يطرح علامة استفهام: “لماذا المهادنة الأمريكية مع الحوثيين على هذا النحو؟ تبدو واشنطن في واقع الأمر حريصة على عدم إغضاب الإيرانيين، ودفع مسارات التفاوض في فيينا، بهدف التوصل إلى اتفاق وبأي ثمن مع الإيرانيين. تكتب الصحافيتان ستيفاني ليخنشتاين، وناحال طوسي، في مجلة بوليتيكو الأمريكية قبل أيام، عن مآلات المفاوضات وكيف أن الدبلوماسيين الغربيين أمهلوا أنفسهم حتى منتصف فبراير شباط الجاري، لمحاولة إحياء الاتفاق النووي، الذي يقيد البرنامج الإيراني مقابل إعفاء طهران من العقوبات. هل يفهم من ذلك أن واشنطن غير قادرة على الفصل بين توجهات جماعة إرهابية تعيث فسادا وإرهابا في المنطقة، وبين سعيها غير المحمود بهدف التوصل إلى اتفاق سيئ السمعة مرة أخرى؟ يصف السياسي والمؤرخ الأمريكي الشهير، غور فيدال، بلاده بأنها الولايات المتحدة المصابة بالنسيان، والتي لا تتذكر الخبرات السيئة التي مرت بها، وقد كان آخرها اتفاق أوباما سيئ السمعة، والذي فتح الباب للنظام الإيراني لكي يتمادى على صعيدين: الأول: يتمثل في إعادة دعم الموازنة الإيرانية بأكثر من مائة وخمسين مليار دولار، من الأموال المجمدة في البنوك الأمريكية، تلك التي وفرت السيولة المالية للبرنامج النووي الإيراني، والذي حاز أجهزة طرد مركزي جديدة، سرعت من قدرات طهران في التخصيب إلى درجات بعيدة. من جانب آخر وفرت تلك الأموال ميزانيات ضخمة للبرنامج الصاروخي، ذلك الذي ترفض إيران التفاوض من حوله، ولا الاقتراب منه، وليس خافيا أنه عند نقطة زمنية بعينها سيضحى في خدمة البرنامج النووي، من خلال رؤوس تحمل على الصواريخ. الثاني: يتمثل في توفير ملايين الدولارات لوكلاء الحرب، من الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وميليشيا الحشد في العراق، وبقية الجماعات الموالية والمتحكمة في كثير من المسارات والمساقات في سوريا. لن يفيد الولايات المتحدة مهادنة إيران في اليمن، ذلك أن الدبلوماسية الأمريكية وفي الحالين خاسرة، ونعني بذلك أنه حال وقعت القوى الغربية مع إيران اتفاقا جديدا، فإن نفوذ جماعة الحوثي ومن لف لفها سيتزايد، وغطرستها ستمتد إلى البعد البعيد جغرافيا وسياسيا. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق سيكون الهول أشد، بمعنى أن إيران ستجعل من اليمن نقطة ارتكاز كارثية لإرهابها عند باب المندب وفي مدخل البحر الأحمر، شريان التجارة الدولية بين الشرق والغرب من خلال قناة السويس. هل على الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ موقف رادع تجاه الحوثي؟ الجواب نجده عند ماري لونغ، مؤسسة شركة “اسكاري أسوشييتس” لشؤون الدفاع والفضاء، ونائب الرئيس في الشركة نفسها إميلي ميليكن، واللتين تطالبان إدارة بايدن بإعادة إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب. وعندهما أنه على الإدارة الأمريكية الحالية إدراك أن أمن وسلامة المواطنين والجنود الأمريكيين ومصالح الولايات المتحدة على المحك. الدبلوماسية في اليمن ينبغي أن تمضي في اتجاه مستقل، وعون المساكين والملهوفين من اليمنيين الذين أفقرتهم الحروب وقادتهم إلى المجاعة شيئ آخر، أما مواجهة الإرهاب فهي قضية واشنطن في العقدين المنصرمين. الصمت والمهادنة تجاه تنظيم القاعدة قادا من قبل إلى الحادي عشر من سبتمبر.. فإلى أين تمضي أمريكا اليوم؟
مشاركة :