من منا لم يستيقظ ذات ليلة على كابوس مخيف أقض مضجعه وأيقظه من أحلى نوم؟ ومن منا لم يصرخ ليوقظ أهل بيته الذين يلتفون حوله مذعورين لتبين الأمر، ثم لا يلبث أن يعتذر شاعراً بالخجل لدى اكتشافه أنه رأى كابوساً مزعجاً؟ تحدث الأحلام المخيفة غالباً في مرحلة محددة من النوم تعرف بالنوم العميق، وتلك المرحلة تعرف علمياً بمرحلة حركات العين السريعة، كما أن مشاعر الخوف التي تتملك الشخص الذي يمر بتلك المرحلة تعتبر حقيقية من ناحية التأثير النفسي والعصبي والجسدي فيه، فهو يتعرق وتتسارع ضربات قلبه وأنفاسه إلى درجة يمكن ملاحظتها من جانب أي شخص من أسرته يتصادف استيقاظه في الوقت ذاته. ومن الغريب أن البعض منا ربما لا يتذكر سيناريوهات أحلامه، وينكر أنه يرى أحلاماً في منامه، إلا أن العلم يؤكد على أن كلاً منا يرى أحلاماً في فترات نومه مهما طالت أو قصرت، وهذه الأحلام ربما يصل عددها إلى العشرات يومياً، ولكن لا تسعفنا الذاكرة على استحضار تفاصيلها أو على تذكر أننا حلمنا في الأساس، كما أن البعض يستطيع تذكر الأحداث النهائية من الحلم قبل الاستيقاظ مباشرة، على اعتبار أن معظم الاستيقاظ بسبب الأحلام يحدث في أواخر مراحل النوم. على أن أسباب الكوابيس متعددة، وتختلف باختلاف نوع الكابوس، أي هل يحدث على فترات متباعدة وفي كل مرة يختلف موضوعه، أم يتكرر كل ليلة ويحمل المضمون ذاته والقصة نفسها؟ قسم علماء النفس الأحلام المزعجة إلى نوعين، الأول يزور النائم على فترات طوال ومتباعدة، ولا يرتبط بظروف سيئة مر بها أو مشكلة من أي نوع، كما أنه يحدث مرة واحدة من حيث التفاصيل والمضمون والأبطال المشاركين في التمثيل، وفي الأغلب لا يستطيع الشخص رواية كل التفاصيل لذويه لأنه ببساطة نسيها أو فقد معظمها، لكنه يتذكر بقوة أنه كان خائفاً ومطارداً ولم يجد الهروب. وفسر العلماء حدوث ذلك النوع من الكوابيس بعوامل جسدية أولية، مثل الإفراط في حشو المعدة بالطعام قبل النوم بوقت قصير، ما يؤدي إلى شعور بالضغط على القفص الصدري وإعاقة التنفس بصورة طبيعية، وبالطبع لا يستطيع العقل الباطن المسؤول عن إدارة شؤون الجسم خلال النوم حل تلك المشكلة لأنه لا يملك الأدوات اللازمة لذلك، فتكون النتيجة نقص كميات الأوكسجين الواردة إلى خلايا المخ، ويترتب على ذلك المشاهد المخيفة التي تسيطر على النائم وتستمر في إزعاجه حتى يستيقظ. وتختلف الأسباب لدى الأطفال، إذ يرى الصغار الكوابيس نتيجة مشاهدة الأفلام المرعبة المخصصة لهم والتي تسرد عليهم غالباً قصص الساحرة الشريرة وإبداعاتها في تحويل الكلب إلى ثعبان سام، والتنين المخيف الذي ينفث النار من فمه، علاوة طبعاً على استخدام أسلوب التهديد من جانب أحد الوالدين أو كليهما، من شاكلة إن لم تسكت سألقيك في البحر ليأكلك السمك وأعتقد أن عالمنا العربي زاخر بقصص مخيفة أبطالها صاحب القدم المسلوخة وأمنا الغولة وحجرة الفئران، وغيرها، ومن المعروف أن الطفل يستدعي الصور الذهنية للقصص أو التهديدات التي يسمعها خلال اليوم، ليس من باب الاستمتاع بها بالطبع، ولكن لتقييم المخاطر التي يمكن أن تصيبه من جرائها وتحديد طرق مواجهتها أو الهرب منها. إلا أن بعض الحالات المرضية النادرة لدى الأطفال ربما تسبب لهم الكوابيس اليومية المزعجة، ومن أبرز تلك الحالات تضخم اللحمية الواقعة خلف الأنف، ما يؤدي لضيق مجرى التنفس خلال النوم وبالتالي ظهور الكوابيس، ومن الغريب أن ذلك النوع من الكوابيس يعكس طبيعة المشكلة الصحية التي يمر بها الطفل، حيث يرى أغلب الأطفال المصابين بتضخم اللحمية شبحاً يطارد كلاً منهم حتى إذا أمسكه بدأ في خنقه أو كتم أنفاسه وهنا يستيقظ الطفل مذعوراً ليقول في براءة: كان يريد قتلي، حاول خنقي بيديه. ومن أسباب رؤية الكوابيس لدى البالغين التغيرات الكبيرة في درجة حرارة الجسم، سواء من البارد إلى الساخن أو العكس، فإذا نمت بملابس خفيفة اعتقاداً بأن الجو حار، ثم قرر أحد شركائك في الغرفة تشغيل المكيف على درجة تبريد عالية من المحتمل أنك سترى كابوساً لأن جسمك يواجه برودة مفاجئة، كذلك إذا انخفض معدل السكر في الدم، وفي حالات استخدام بعض العقاقير ذات التأثير العقلي، علاوة على الضغوط اليومية في مجال العمل أو الخلافات العائلية، إضافة إلى التفكير في الموضوعات السيئة والكوارث قبل النوم، والإقبال على تناول المنبهات مثل القهوة والشاي والكولا، والتدخين، أو الأطعمة الحريقة التي تتضمن البهارات، أو انقطاع التنفس بسبب الشخير، وكذلك الوجبات التي تحوي الكثير من الدهون، ويرى بعض العلماء أن النوم الهادئ من أهم وظائف النواقل العصبية في المخ، وظهور الكوابيس دلالة على الخلل في وظيفة تلك النواقل وضرورة استشارة الطبيب. أما النوع الثاني، الكوابيس المتكررة فلها قصة أخرى يرويها لنا أطباء الصحة النفسية من واقع تجاربهم مع المرضى، فتلك الكوابيس تزور الشخص على فترات متقاربة، ربما كل يومين أو ثلاثة، أو حتى مرتين أو ثلاث مرات في الليلة نفسها، يستيقظ على إثرها خائفاً، ولكنه لا يغادر الفراش، ولا يستطيع النوم مجدداً، ويستطيع - بحكم تكرار الكابوس - تذكر كل تفاصيله، وتختلف تلك الأحلام المزعجة في قصصها عن النوع الأول من الكوابيس، حيث تتجاوز السقوط من مكان عال أو تدهور السيارة بمن فيها إلى سيناريوهات أكثر تعقيداً وأطول وقتاً، وأغزر تفاصيلاً، وربما يستمر الحلم الواحد - من وجهة نظر النائم - أكثر من 6 ساعات، بينما فعلياً يؤكد العلماء على أن الأحلام في زمنها الفعلي عند رصدها علمياً لا تتجاوز الثانيتين أو ثلاث، كما يرتبط الكابوس من النوع المتكرر بحياة النائم الفعلية، سواء في المحيط الأسري أو المهني أو حتى يرتبط بهواياته، وفي معظم الأحوال تسبب له القلق والتوتر النفسي، وربما تنعكس سلباً على حياته اليومية، إذ تنتابه المخاوف من النوم حتى لا يرى الأحلام المخيفة. ويشير الأطباء إلى وجود أسباب لتكرار الكوابيس، أهمها استخدام بعض الأدوية التي تؤثر في الجانب الوظيفي للمخ، مثل مضادات الاكتئاب، علاوة على الضغوط التي ترافق الشخص خلال يومه، والفشل الذي ربما يهدد مستقبله، أو مخاوف فقدان وظيفة أو مكسب مهني، أو صفقة تجارية مهمة، كل تلك الأسباب ربما تظهر في صورة كوابيس يومية متكررة، لا تزول إلا من خلال إزالة السبب ورفع الضغط، سواء بصورة إيجابية أو سلبية، وبالطبع الإيجابية هي نجاح التاجر في الفوز بالصفقة، والسلبية خسارتها، وفي كلتا الحالتين ينتهي السبب. ويؤكد العلماء على أن علاج الكوابيس المتكررة يتوقف على إزالة أسبابها، وعلى الرغم من اعتبارها ظاهرة صحية تقوم بدور في تخفيف الضغط النفسي عن الإنسان، وتعتبر من وسائل التنفيس عن رغباته ومواقفه التي لا يستطيع اتخاذها في الواقع، إلا أن تأثيرها السلبي ربما يؤثر في حياته اليومية، ما يستوجب العلاج للتخلص منها، وينصح الأطباء في تلك الحالات بالتنفيس الفعلي الإرادي عن المواقف خلال اليوم، وعدم الخلود للنوم طالما أن الإنسان يشعر بضغط من أي نوع، عليه اختيار شخص مؤتمن - ولتكن زوجته أو أقرب أصدقائه - ليبوح له بمخاوفه ويفضي بالاحتمالات السيئة التي يتوقعها، ويناقش الأمر من كل جوانبه، ما يؤدي إلى خروجه من حيز العقل الباطن إلى الوجود الفعلي، ويكفي ذلك للتعامل الذهني معه على أنه عنصر لا يشكل تهديداً ولن يصبح مخيفاً في المستقبل. يوصي الأطباء بضرورة مراعاة العوامل المحيطة للحصول على نوم مريح بلا متاعب، فلا بد من فراش مستو ومريح ووسادة متوسطة القسوة (ليست طرية ولا قاسية) إضافة إلى تخفيف ضوء الحجرة وتأمين منفذ مناسب لتجديد الهواء، وتفادي استخدام العطور أو البخور في غرف النوم قبيل الذهاب إلى الفراش، مع تجنب استخدام أي أدوية من دون استشارة الطبيب، والحصول على المساعدة الطبية اللازمة في حال تكرار الكوابيس.
مشاركة :