تلقيت اتصالًا هاتفيًًا من ابنتي أميرة يوم الثلاثاء ٣١ يناير الماضي "كل سنة وأنتٍ طيبة يا أمي، وإن شاء الله سنة سعيدة على الجميع. ثم قالت: اليوم رأس السنة الصينية". والحقيقة أنني لم أتذكر في حينها أن هناك رأسَ سنةٍ يحتفل بليلتها العالم غير رأس السنة الميلادية، ولكن سرعان ما تذكرت أننا عندما شرعنا في تنظيم أول مؤتمر اقتصادي بعد ثورة ٣٠ يونيو المجيدة، تم اختيار التوقيت بعد احتفالات الصينيين بعيدهم، وبالفعل بدأ مؤتمر "مصر المستقبل" بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من ١٣ إلى ١٥ مارس ٢٠١٥. وكنت لأول مرة أعرف أن عددًا كبيرًا من سكان كوكب الأرض عندهم بداية أخرى للعام! رأس السنة الصينية أو عيد الربيع، ويختلف موعدها من سنة إلى أخرى، ولكنها تقع دائمًا بين أواخر يناير ومنتصف فبراير، ويعد هذا العام ٤٧٢٠ وفقًا للتقويم الصيني. ورغم وجود بعض الدلالات التاريخية على احتفال الصينيين بهذا العيد منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد عندما حكمت أسرة شانغ، فإن أول ذكر للاحتفال ببداية العام الجديد كان خلال عهد أسرة هان الشرقية (202 ق.م - 220 م)، حيث تم تسجيله في التقويم الزراعي الذي كتبه للفلاحين المهندس الزراعي الشهير شي شنغهان، الذي وصف كيفية الاحتفال في كتابته فالأطفال، والزوجة، والأحفاد، وأحفاد الأحفاد يقدمون جميعًا المأكولات والمشروبات لوالديهم، ويتمنون لهم الصحة الجيدة. وخلال عهد أسرة جين (266 - 420 م)، بدأ الناس في تقليدِ يتبعونه عشية رأس السنة الجديدة يتمثل في الاحتفال طوال الليل باسم شوسوي. ويرتبط بهذا العيد أسطورة صينية تحكي إحدى فصولها أن وحشًا يشبه التنين اسمه نيان كان يهاجم المواطنين في بداية كل عام، وكان نيان يخاف من الضوضاء العالية والأضواء الساطعة واللون الأحمر. ولعل هذا ما يفسر سر ظهور دمية التنين في الاحتفالات. ويجرى الاحتفال بالعيد على مدار 15 يومًا وبحسب بيانات وزارة التجارة الصينية، ينفق الصينيون خلالها، أكثر من 820 مليار يوان (128 مليار دولار أمريكي) على التسوق والأطعمة. ومن بين طقوس الاحتفال، قيام الصينيون بمراجعة نظافة منازلهم قبل منتصف ليلة رأس السنة القمرية الجديدة، بهدف تخليص المنزل من أي حظ سيئ قد يتراكم خلال العام الماضي. ويهتمون كذلك بتسوية الديون قبل حلول العام الجديد، بما في ذلك فواتير بطاقة الائتمان، حيث يعتقدون أنه عندما تأتي بداية العام مع تراكم ديون، قد يعني أنك ستنهيه بالديون كذلك. أما المحظورات التي يتجنبها الصينيون خلال الاحتفال بالعيد، فأبرزها عدم قص الشعر أو غسله في اليوم الأول من العام الجديد، ومبعث هذا أن الحرف الصيني لكلمة الشعر هو الحرف ذاته لكلمة الازدهار الصينية، ويعني ذلك أن غسل أو قص الشعر سيكون التقليل من الثروة أو من فرص تحقيق الرخاء في العام الجديد. إلى جانب احتفال أكثر من مليار شخص داخل الصين بهذا العيد، تحتفي أيضًا بهذه المناسبة العديد من الدول الآسيوية، من بينها سنغافورة وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند وكمبوديا والفلبين. يا له من عالم غريب ومختلف! كلما مرت بنا الدقائق رأينا فيه أعجب الحقائق، ويا له من إعجاز رباني في إيجاد هذا التنوع البشري لحكمة أدركتها وهي التعارف والتفاعل الحضاري. في المكالمة الهاتفية مع ابنتي كانت تصر على أن تعرف متى سأكون بالمنزل، وأكدت علي الاتصال بها عند وصولي. وفوجئت بوصول أطعمة صينية steamed dumplings ستيمد دمبلينج، وقالت إن صديقة صينية لها بالجامعة، أخبرتها بأن من يأكل هذا الطعام يصاحبه الحظ طوال السنة. ورغم أنني أميل إلى العقلانية وصعوبة تصديق الأساطير، فضلًا عن أنني كنت شبعانة جدًّا بالأكل المصري البيتي المعتبر، إلا أنني أكلت القليل من الطعام الصيني واليوم التالي أكملت الباقي. ومازال لدينا على معتقدات الصينيين ١٥ يومًا، ولا أعلم: هل كان يجب إكمال الوجبة كلها يوم رأس السنة أم يجوز ؟
مشاركة :