تابعت بمنتهى الفخر ردود الأفعال المحلية والعالمية على قدرات مصر الفائقة فى تنظيم بطولة كأس العالم لكرة اليد فى نسختها السابعة والعشرين والتى أقيمت ولأول مرة فى تاريخ اللعبة بحضور 32 منتخبا من مختلف قارات العالم. ولم يكن الإبهار الذى قدمته مصر للعالم أجمع مجرد صدفة، ولكنه إنجاز عظيم ونجاح غير مسبوق لمنظومة الإدارة، لما فيها من حسن التخطيط والتنفيذ والمتابعة فى ظل ظروف عالمية غاية فى الصعوبة.ومن واقع تجاربى الممتدة لأكثر من 20 عاماً فى إدارة العملاء وتطوير الأعمال فى القطاعين الخاص والحكومى، أرى أن ما يحدث فى قطاع الرياضة بمصر خلال السنوات الأربع الماضية يعكس استراتيجية قومية قوية تتبناها القيادة السياسية للنهوض بالرياضة كصناعة وطنية، وليس مجرد فعاليات استثنائية. وفى تقديرى أن الرياضة يمكن استثمارها كصناعة قومية لها أهداف انسانية عظيمة حيث أن الرياضة هى اللغة المشتركة التى يجيدها جميع البشر، وهى رسالة سلام حقيقية التى تُجمّع الشعوب وتذيب الفروق وتتجاوز جميع الخلافات والاختلافات، فالجميع أمام الرياضة سواء. والأهم أيضا أن الرياضة هى الوسيلة للحفاظ على سلامة الجسم والعقل أيضا لتبنى أجيالا بصحة جيدة وعقل سليم وفكر مستنير.كما يمكن أيضا استغلال الرياضة فى التسويق لمصر"Nation Branding" وتؤثر فى الصورة الذهنية للشعوب.كما يمكن الاستفادة من أبطالنا فى تعظيم قوة مصر الناعمة، فها هى ميار شريف فتاة مصر الذهبية تبهر العالم فى لعبة التنس، وها هو ممدوح السبيعى الملقب بـ "بيج رامي" يبهر العالم فى كمال الأجسام ومن قبلهما الفراشة الذهبية فريدة عثمان فى السباحة والفرعون المصرى محمد صلاح فى الدورى الانجليزى لكرة القدم، بالإضافة إلى الفرق والمنتخبات المصرية مثل النادى الأهلى الذى حقق برونزية كأس العالم للأندية لكرة القدم ومنتخب الجودو الذى حقق لقب افريقيا وغيرهم الكثير.والأهم من كل ذلك، هو العمل على استثمار الرياضة أيضا كصناعة اقتصادية تقليدية قادرة على تحقيق دخل بالعملة الصعبة لمصر، حيث باتت مصر تمتلك امكانات وبنية تحتية غير مسبوقة فى مختلف الألعاب وشيّدت الاستادات والملاعب بمواصفات عالمية في مختلف الألعاب، ولا أدل على ذلك من الصالات المغطاة العملاقة التى تم انشائها أو تطويرها في كل من مدينة السادس من أكتوبر وبرج العرب و إستاد القاهرة الدولي، بالإضافة إلى الصالة العملاقة فى العاصمة الإدارية والتي شهدت نهائى بطولة كأس العالم لكرة اليد الشهر الماضي. ويكفى الاشارة إلى أن بطولة كرة اليد السابقة استضافتها ٣ دول!! نعم ٣ دول.. كما أن البطولة المقبلة ستنظمها دولتا السويد وبولندا عام 2023!وهنا اقول ان مصر قادرة على التسويق لنفسها ولإمكاناتها وثرواتها السياحية عبر الرياضة، وبمجرد انتهاء جائحة فيروس كورونا المستجد، سنكون جاهزون لاستضافة الجماهير من مختلف أنحاء العالم، وهى مرحلة عظيمة مهدت لها الانجازات الرياضية الكبيرة خلال العامين الماضيين بدء باستضافة بطولتى كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم وكأس الأمم الأفريقية للشباب لكرة القدم عام 2019، كما نظمت مصر بطولة العالم للسباحة والسلاح وغيرها من البطولات القارية والعالمية بالتوازى مع البطولات المحلية.ولا بد أن نستغل الفرصة جميعا كمواطنين لدعم هذه الصناعة بتربية أبنائنا على ممارسة الرياضة ودعم مبادرات اكتشاف الموهوبين رياضيا وتشجيعهم ، فالرياضة هى صناعة أمل للأوطان، لأننا نسعد جميعا بكل من يرفع الراية المصرية عاليا فى بقاع العالم وعزف السلام الجمهوري في كل مناسبة.وبعيدا عن كل ما تحقق خلال الفترة الماضية من انجازات، كان لي تجربة شخصية تعكس استراتجية الدولة وايمانها بقدرة الرياضة على صناعة الأمل للأوطان، حيث كنت فى عام 2017 فى زيارة رسمية بحكم عملى لحى الأسمرات بالمقطم. كان كل شيء فى الحى مبهرا، بدء من التخطيط ومرورا بالشوارع الواسعة وبالعمارات التى تم تسليمها بالفرش لسكانها الجدد - القادمين من مناطق كانت تشكل خطرا على حياتهم – وحتى الخدمات الثقافية والترفيهية والرياضية. ولا يخفى على أحد الفارق الشاسع بين شكل العشوائيات الخطرة وحي الأسمرات المخططة كمجتمع عمرانى متكامل، ولكن ما يخفى على كثيرين هو ما أحدثته هذه النقلة النوعية فى فكر وحياة قاطنيها. وأكتفى فى هذا المقال بالإشارة إلى ما أحدثته الرياضة فى حياتهم، إذ شارك خلال العامين الماضيين العديد من الأطفال من حى الأسمرات فى بطولات رياضية، بل وحصلوا على 19 ميدالية فى بطولة الجمهورية للكونغ فو، وأصبح منهم أيضا أبطال الجمهورية فى رياضة الكيك بوكسنج!لم نكن لنلوم الحكومة إذا ما وفرت لسكان المناطق العشوائية غير الآمنة مجرد وحدات سكنية يعشون فيها آمنين على حياتهم، ولكن الاستراتيجية التى تتبناها الدولة وُضع أساسها فى هذا الحي المبهر، فنشأ الأطفال فى بيئة صحية تتيح لهم ممارسة الرياضة فأصبحوا أبطالا. تخيلوا لو نشأ هؤلاء الأطفال فى بيئة غير آمنة ولم يتجهوا لتفريغ طاقتهم فى رياضة تقودهم للبطولة، بالتأكيد لكان من بينهم من يقع فريسة للإرهاب والجريمة!وكما كان للرياضة مفعول السحر فى حياة أطفال الأسمرات، كان لها أيضا مفعول السحر كقوة ناعمة لمصر تضع اسمها فى مانشيتات الصحف والعناوين الرئيسية لنشرات الأخبار فى مختلف وسائل الإعلام العالمية، حيث لقت مصر إشادات واسعة محليا ودوليا وكان محط أنظار العالم من كافة بقاع المعمورة وترتب عليه إظهار ٧الدولة المصرية فى صورة مشرفة. وما بين الأسمرات والبطولات العالمية، هناك رؤية وجهد كبير يستحق الإشادة والثناء والتقدير . تحيا مصر بشبابها .. و بالأمل تصنع الأوطان.
مشاركة :