إميل أمين يكتب: هل تضحى بكين بديل واشنطن شرق أوسطيًا؟

  • 2/9/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ضمن دائرة التحركات والتغيرات الجيوسياسية، تلك التي تموج بها  بقاع وأصقاع العالم، يظهر الصراع من جديد على  الشرق الأوسط، كواحدة من أهم المناطق الإستراتيجية حول العالم. والشاهد أنه منذ زمن الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، والصراع ماض على  قدم وساق،  ومن عندهما مرورا  بالصراع بين إنجلترا وفرنسا في القرنين الثامن والتاسع عشر، ووصولا إلى المواجهة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، تبقى  هذه الرقعة الجغرافية مطمعا  ومطمحا  لشعوب العالم، وهذه قضية تستدعي تحليلات السيسيولوجيين قبل الجيوإستراتيجيين. هل المنطقة مع موعد جديد تتعدل فيه المواقع وتتغير المواضع، ما بين القوى  الدولية القائمة ونظيرتها القادمة؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، وفي الخلفية من تلك النتيجة ما يبدو على  السطح من رغبة أمريكية  واضحة للعيان في الخلاص من إرث الشرق الأوسط،  وتطلعات روسيا والصين بشكل عام لملء مربعات النفوذ التي تخليها  واشنطن. تبدو قصة  الانسحاب الأمريكي مثيرة  للكثير من علامات الاستفهام، ما بين انسحاب كامل، أو انسحاب جزئي، وربما تغير تكتيكي بمعنى  الاستغناء عن عديد القوات المسلحة بشريا، والاستعاضة عنها بتقنيات الحرب الحديثة، هذا إن أرادت واشنطن  حماية أصدقائها  وحلفائها في المنطقة. ولعل المقطوع به في كل الأحوال، أن سيرة ومسيرة الولايات المتحدة شرق أوسطيا  لن تبقى  على حالها  كما كان المشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى  العقد الأول من القرن الحادي والعشرين،  وفي الوقت  عينه لا يبدو منطقيا  عقلا  أو عدلا القول بأن تلك القوة العظمى سوف تخلي مرة وإلى الأبد حصاد نحو ثمانية عقود من الحضور والنفوذ. يعلم القاصي والداني أن  واشنطن  مهمومة بل محمومة بالصراع مع روسيا  من جهة، ومع الصين من جهة ثانية، وربما بات عليها  في ظل أزمة أوكرانيا،  ونشوء وارتقاء تحالف قوي بين بكين وموسكو، أن تواجه وتجابه قوة ثنائية كبرى وليدة. هنا يبدو من الطبيعي جدًّا  أن تغرب الفراغات المتولدة عن الانسحاب الأمريكي القوى  التقليدية بالقفز في وسط حواضن العالم الشرق أوسطي القديم. والشاهد أنه إذا  كانت هذه السطور تتناول الشأن الصيني، إلا أنه تتوجب علينا الإشارة إلى أن قصة بديل واشنطن  هذه  شرق أوسطيا، قد غازلت الروس قبل الصينيين ولا تزال، وربما انشغالهم في ملفات آسيا  الشرقية من حولهم كالملف الأوكراني، وفي العقد الماضي احتل ملف جورجيا عام 2008 صدارة المشهد. ورغم من ذلك  فإن موسكو  تحركت وبقوة وبسرعة، بل أكثر نقول بذكاء شديد مع تصاعد وتيرة  ما عرف بزمن الربيع العربي، وقد رأيناها  تنتفض سريعا لتتدخل في سوريا، لتحمي مصالحها الإستراتيجية التاريخية، وموطئ قدمها  الوحيد عبر المياه الدافئة، ذلك الحلم الذي داعب الروس من زمن بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة، وصولا إلى  القيصر فلاديمير بوتين. عرفت روسيا  كيف تستغل أخطاء إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الرجل الذي فضل فكرة القيادة من وراء الكواليس، تلك التي أفقدته الكثير من القوة والمنعة، وتاليا فقدان الثقة  في الشريك الأمريكي. في الظل، بدا وكأن الصين غير مهتمة  بما يجري، لكنها  في الواقع ها هي تتحرك بشكل منهجي عميق، ربما لتزيح واشنطن قبل موسكو، من الشرق الأوسط بنوع خاص. هل تعاظم الدور الصيني في منطقة الخليج العربي، وعزمها  ضم سوريا إلى مشروع “الحزام والطريق” الصيني، ناهيك عن تفاعلها  القوي جدا مع العراق، حيث تعمل على الاهتمام بالمسيرة  التربوية والتعليمية، وبناء المدارس، يلفت النظر إلى  نوايا  بكين المستقبلية الخاصة بلعب الدور الذي ظلت واشنطن تلعبه طوال العقود الماضية؟ لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتخطاه إلى علاقات إستراتيجية  صينية– إيرانية،  علاقات تعرف بكين كيف تغزل بها على المتناقضات مع واشنطن،  بل كيف تستغلها  في الصراع الجاري بينها وبين واشنطن تحديدا في منطقتين، بحر الصين الجنوبي من جهة،  وجزيرة تايوان من جهة أخرى. وعرفت الصين كيف تستغل قوة الردع النقدي، لا الردع النووي، للدخول في شراكات عميقة  مع دول الشرق الأوسط، فقد قدمت القروض الميسرة، والمنح المجانية والهبات التي لا  ترد، الأمر الذي جعل حضورها  مرحبا به، وعلى  خلاف الحضور الأمريكي صاحب المشروطية  التاريخية المثيرة للقلق والأرق، من حقوق إنسان، ودمقرطة، ومرأة، إلى آخر تلك المنظومة  الغنائية=. هل بدأ الأمريكيون في القلق جراء هذا التنامي الصيني؟ ربما  نجد الجواب عند رئيس برنامج آسيا  في معهد الدبلوماسية الدولية  في إسرائيل، غيداليا  أفترمان، والذي يرى  أن “هناك شعورا في المنطقة بأن الولايات المتحدة تغادرها بالفعل، وهذا يفتح الباب أمام الصين”. ها هي الصين تدرج دمشق في  مبادرة طريق الحرير الجديد،  وفي الوقت عينه  تسعى  لتوقيع اتفاق لإنشاء منطقة  تجارة حرة  في المستقبل مع دول الخليج، أما العراق فهو حاصد الجائزة الكبرى  فقد وقع  عقود قيمتها  10.5 مليار دولار في العام 2021 مع بكين. تبدو العلاقات العراقية– الصينية، كقراءة في المعكوس بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن الأخيرة كان المتوقع لها أن تصيب نجاحا  كبيرا، بعد عقدين تقريبا من الغزو، لكن ها  هي تخرج صفر اليدين، بل أكثر من ذلك تبدو قواعدها  مهددة  في الحال والاستقبال من الجماعات الميليشياوية العراقية الخاضعة لإيران. هل محبة الصين للعالم العربي والشرق أوسطي مجانية؟ قطعا  لا  يوجد ما هو مجاني في عالم السياسة، فلكل شيء ثمنه، والصين وضعت أعينها على  نفط المنطقة  منذ زمان وزمانين، ومع زيادة نموها بعد أن نفضت عنها  جائحة كورونا، تبدو في حالة عطش للنفط بهدف إدراك المزيد من النمو الاقتصادي. ما  تخطط له بكين أذكى  بكثير من أن يكون بديلا  عسكريا  أو سياسيا، إنها  تطرح نموذجا تنمويا مزدهرا  ومتألقا  في منطقة تعاود الصعود من جديد، ولهذا  يبدو وقت التعاون القيم بين العرب والصين قد حان أوانه.

مشاركة :