إميل أمين يكتب: واشنطن – طهران..حديث «الأعدقاء»

  • 12/17/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما هو شكل العلاقة بين واشنطن وطهران؟.. علامة إستفهام مثيرة للحيرة تارة وللقلق والترقب تارة أخرى، ومرد الأمر أن هناك الكثير جدا من الإلتباس الشديد في الخطوط، والتداخل في الخيوط بين الشؤون والشجون الأمريكية، وبين نظيرتها الإيرانية. آخر مشاهد العلاقة بين أمريكا وإيران تمثل منذ بضعة أيام في المؤتمر الصحفي الذي عقدته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “نيكي هالي” داخل إحدى القواعد العسكرية الأمريكية وعرضت فيه صورًا لحطام الصاروخ الأمريكي الذي أطلق من اليمن على يد الحوثيين تجاه مطار الملك خالد في الرياض، وقد كان له أن يوقع مئات القتلى لولا أن تصدت له بطاريات صواريخ الباتريوت وأسقطته. في المؤتمر المشار إليه تحدثت “هالي” عن عزم واشنطن بناء تحالف دولي ضد إيران، تلك التي باتت تهدد أمن وأمان منطقة الخليج العربي من جهة، وكذا تهدد حركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر وباب المندب وبقية مياه الخليج العربي. السفيرة الأمريكية دعت مجلس الأمن الدولي الى  التشدد وإتخاذ مواقف صارمة تجاه إيران، وحسنا فعلت.. غير أن السؤال: ما هو موقف إدارة ترامب الحقيقي من إيران؟.. وهل تسعى واشنطن بالحقيقة لمواجهة طهران مواجهة حاسمة حازمة مرة وإلى الأبد أم ان الأمر لا يخلو من المراوغات واللعب على المتناقضات، وتسويف الوقت للوصول إلى صفقة تقاسم للهمينة والسيطرة بينهما في المنطقة، صفقة يدفع ثمنها العرب شرق أوسطيا وخليجيا على حد سواء؟ الجواب على ما تقدم لا يوفر بعض الحيل الدبلوماسية الأمريكية المعهودة، فقد ذهب بعض المراقبين للشأن الأمريكي إلى القول أن مؤتمر السيدة “هالي” لم يكن أكثر من محاولة لصرف الأنظار عن قرار الرئيس ترامب الخاص بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها. المسالة لا تتوقف فقط عند إشكالية تحويل الأنظار، بل محاولة إستمالة المعسكر العربي الرافض لفوضى إيران في المنطقة إلى الصف الأمريكي، ومن ثم تكوين رأي عام داعم لسياسات ترامب، ولتذهب القدس ما شاء لها أن تذهب. التحليل السابق ربما يتسق مع الذهنية العربية بنوع خاص، لكن ماذا نقول عن مراكز دراسات أمريكية تتساءل علانية وبصراحة فائقة الوصف:”متى ينتهي صمت واشنطن تجاه طهران”؟. التساؤل صادر عن مركز “واشنطن فري بيكون”، وقد انزعج الباحثون فيه من التخاذل الأمريكي عن إتخاذ قرار يُحجٍّم ويلجم إيران الماضية قدما سادرة في غيها، مهددة الأمن العالمي، ومتبجحة بكونها راعي رعاة الإرهاب الدولي. ثم إذا كانت واشنطن عازمة بجدية على تكوين تحالف دولي ضد طهران فأي عربون تقدم لكي يقتنع الحلفاء والأصدقاء بواقعية توجهها، أم أن الأمر برمته قعقعة دون طحين؟ مرة أخرى استمعنا إلى الميجور “أدريان غالاوي” المتحدث باسم البنتاجون، وهو يوصف حال الأدوار التي تلعبها إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر تغذية الصراعات وفي المقدمة ما يجري في اليمن، وكيف أنها عبر البحر تُهرِّب الأسلحة إلى الحوثيين بعد تفكيكها، ليعاد هناك تركيبها على يد عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني، سواء كانوا لبنانيين تابعين لحزب الله، أو عراقيين آتين من بغداد حيث جموع الحشد الشعبي التي يقودها سليمان قاسمي. لكن تصريحات “غالاوي” غير مفهومة وتصب في خانة الإزدواجية الأمريكية التقليدية.. يقول:”لسنا في مسار حرب.. نحن نحاول إيقاف حرب إقليمية”. يحار المرء في فهم التصريح السابق، ذلك أن إيران أشعلت ولا تزال فتيل الحرب الأهلية في أربع دول عربية على  الأقل، وإن قُدِّر لها أن تفعل أكثر فسوف تفعل، ما يعني أن الحروب الإيرانية في المنطقة قائمة وليست قادمة، فما الذي صنعته أمريكا في المقابل؟ تحليل التوجهات الأمريكية يقودنا قطعا إلى الاعتقاد بأن ترامب يعتمد نهجًا غير مباشر يقوم على تجنب المواجهة المباشرة مع إيران وذيولها من الميليشيات كحزب الله والحوثيين وغيرهما. حكما.. مشهد واشنطن المنقسمة على ذاتها اليوم يمكن الإيرانيين من تحقيق مكاسب عريضة في المنطقة وحول العالم، لقد وصلت إيران إلى حدود إسرائيل، سواء عبر التدخل العميق في الشأن السوري، أو من خلال علاقتها مع حزب الله. على جانب آخر أذكت إيران نيران الفتنة الطائفية والمذهبية في العراق، فيما أصابعها تلعب في عدد من الدول الواقعة في عمق القارة الإفريقية، ماضية في نشر التشيع المذهبي، ومن ورائه تسعى لإدراك أهداف لوجستية وسياسية تتفق ولعبة الأمم الجديدة، من حيث تقاسم النفوذ العالمي ما بين أقطاب غربية إمبريالية تقليدية، وقوى وليدة تسعى الهوينى لبسط نفوذها على العالم كما الصين، في حين الدب الروسي يخترق إختراقا غير مسبوق للشرق الأوسط وإفريقيا معا. تبدو واشنطن في مأزق حقيقي إذا لم تسارع إلى حسم موقفها من إيران، ولم تعد الخدع تنطلي على الحلفاء العرب الذين باتوا شبه موقنين بأن واشنطن على إستعداد للتخلي عن المنطقة وتركها للمحور الروسي – التركي – الإيراني يعبث فيها كيفما يشاء. لم يعد توصيف علاقة واشنطن وطهران بـ “الأعدقاء” يصلح، فإما أن يظهرا للناس أنهما صديقان وساعتها يكون لكل حادث حديث، أو أن تسارع واشنطن الى وضع النقاط على الحروف دون مؤتمرات صحفية وتصريحات عنترية جوفاء لا تسمن ولا تغنى من جوع أمس واليوم وغدا.. فهل تستجيب واشنطن أم تتعاظم خسائرها شرق أوسطيًا..؟

مشاركة :