في مقالة سابقة سردت للقارئ الكريم مبادئ الخمسين التي وضعتها دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسها لكي تسير عليها كمنهاج وخطة عمل على مدى الخمسين عاماً القادمة. وابتداءً من هذه المقالة سأقوم بشرح وتفصيل هذه المبادئ العشرة، بدءاً بالمبدأ الأول الذي ينص على أن الأولية الرئيسة الكبرى هي تقوية الاتحاد من مؤسسات وتشريعات وصلاحيات وميزانيات وتطوير لكافة مناطق الدولة عمرانياً وتنموياً واقتصادياً، انطلاقاً من كون ذلك هو الطريق الأكثر فعالية في ترسيخ الدولة الاتحادية. ويأتي هذا المبدأ المهم والحيوي كتجسيد لحلم الآباء المؤسسين في إنشاء هذه الدولة العتيدة التي صار يُنظر إليها على أنها نبض الحياة الإماراتية وقلبها الخافق، وهي بذلك منبع البراجماتية الأدواتية العملية التي يتم الاحتفاء بها سنوياً في الثاني من ديسمبر. لكن إذا ما كان ذلك فهم وإدراك لأهمية الدولة الاتحادية ولتطبيق الفلسفة البراجماتية، فإن كل الذي حدث حتى الآن جاء عن طريق التخطيط المعد له سلفاً عوضاً عن الارتجال، فجميع عناصر الاتحاد كانت حاضرة، وتعبر عما هو كامن في نفوس قيادة واعية وشعب مخلص. وإذا ما كانت الدولة الاتحادية هي طوق النجاة، فإن قيامها أُعد له بشكل واع ما بين عامي 1968 و1971 لأنها ببساطة وإلى أقصى حد ممكن كانت دليل على رغبة الجميع في إقامتها سياسياً في زمن كانت المنطقة تمر بمخاطر أمنية كبرى وبكوارث تهدد وجودها وسلامة وأمن شعبها. ووفقاً لما تم الدفاع به عن فكرة مؤيديها ، قامت الدولة الاتحادية لكي تخلق انطباعاً دائماً في التجربة الإماراتية - وهو انطباع جميل يمكن أن يقارن فقط بالانطباع الأجمل، وهو قدرة شعب الإمارات السريعة على الانصهار لتكوين شعب واحد متحد من أقصاها إلى أقصاها، وهو اتحاد أبهر الجميع في وقتها، وأدى إلى شلل وتقييد قدرة العديد من الأطراف المتربصة للنيل من المنطقة، ومنعهم من الحركة والفعل. والحقيقة هي أن الدولة الاتحادية لا زالت بإنجازاتها تبهر أنظار العالم في نفس الوقت الذي تؤجج فيه الشعور الوطني ليس بسبب كونها سلسلة من الأحداث الجسام المترابطة والمتصلة فقط، ولكن لكونها أيضاً حدثاً وطنياً مهماً ومؤثراً جمع سكان الإمارات السبع وأراضيها وحدودها ومقدراتها وثرواتها وخيراتها، لكي تشكل وطناً واحداً هو مبعث للفخر وعنواناً للقوة، وتجسيداً للإرادة الحرة الكريمة. وعليه، فقد جاء المبدأ الأول من مبادئ الخمسين سنة القادمة لكي يعكس مجموعة من الحقائق الراسخة التي تصب في مجملها في الرغبة الشديدة للمحافظة على الدولة الاتحادية والدفع بها إلى الأمام لكي تبقى جبلاً شامخاً يجسد حقيقة من هم أهل الإمارات قيادة وشعباً، وكيف أنهم استطاعوا خلال خمسين عاماً فقط من عمر الزمان تحويل حلم بعيد المنال إلى حقيقة راسخة تجسد وطناً عتياً حقق في فترة وجيزة ما عجزت عن تحقيقه أمم أخرى في فئات السنين. وبالمقارنة، فإن المبدأ الأول من مبادئ الخمسين هو أمر يؤكد التطلعات الأولى للآباء المؤسسين في بداية مشوارهم، ويرسخ الإنجازات الكبرى التي تحققت على مدى الخمسين سنة الماضية، وما يزمع تحقيقه على مدى الخمسين سنة القادمة في إطار تقوية الاتحاد والمحافظة عليه، ويؤكد أن ما مر بالإمارات حتى الآن ليست مجرد أحداث والسلام، بل إن الفترة الأولى شكلت التمهيد الذي يصف مشروعاً وطنياً طموحاً لمستقبل هذه الأرض كوطن وهؤلاء البشر كشعب مخلص لوطنه، في حين أن الخمسين القادمة ستكون مشروعاً لمزيد من الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لن يكون حليفها سوى النجاح الباهر، وستشكل فترة رائعة من تاريخ قيادة رشيدة وشعب مخلص ووطن معطاء هو دولة الإمارات العربية المتحدة.
مشاركة :