انتقلت ما توصف بـ "معركة استقلالية القضاء" في تونس، إلى الشارع، بعد أسبوع من إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن حل المجلس الأعلى للقضاء في بلاده، في الوقت الذي صدر اليوم (الأحد) مرسوم رئاسي يتعلق بإحداث "مجلس أعلى مؤقت للقضاء" ليحل محل المجلس الأعلى للقضاء المُنحل. وتجمع اليوم المئات من أنصار المعارضة أمام مدينة الثقافة بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة، في مظاهرة احتجاجية دعت إلى تنظيمها حركة "مواطنون ضد الإنقلاب"، وتنسيقية "المبادرة الديمقراطية" التي تضم عددا من أحزاب المعارضة، إلى جانب حركة النهضة الإسلامية التي دعت أنصارها إلى المشاركة فيها بكثافة. ورفع المشاركون في هذه المظاهرة شعارات رافضة لحل المجلس الأعلى للقضاء، وأخرى تطالب بضمان الحقوق والحريات، وذلك في إشارة إلى الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي. وتأتي هذه المظاهرة التي قدر مصدر أمنى عدد المشاركين فيها بأكثر من 1500 شخص، بعد ساعات من صدور مرسوم رئاسي تم فيه حل المجلس الأعلى للقضاء رسميا، وإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء تضمن صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيد في إدارة الشأن القضائي. وصدر اليوم في الجريدة الرسمية للبلاد التونسية "الرائد الرسمي" مرسوم إحداث هذا المجلس المؤقت للقضاء الذي "يتمتع بالاستقلالية الوظيفية والإدارية والمالية"، ويعطي الرئيس قيس سعيد الكثير من الحقوق منها إعفاء أي قاض "يخل بواجباته"، ويمنع على القضاة الإضراب. وجاء في نص المرسوم، أنه "يحق لرئيس الجمهورية طلب إعفاء أي قاض "يخل بواجباته بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، ويصدر المجلس "فورا" قرارا بإيقاف القاضي المعني عن العمل إلى حين البت في ملفه". و"يحق لرئيس الجمهورية أيضا الاعتراض على أي تسمية أو ترقية أو نقلة في الحركة القضائية بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل"، و "الاعتراض على ترشح للوظائف العليا في القضاء بناء على تقرير حكومي". وأشار المرسوم الرئاسي إلى أن "فترة عمل المجلس مفتوحة حتى يتم تشكيل مجلس أعلى للقضاء"، وأن مهمة هذا المجلس المؤقت هي "الإشراف على شؤون القضاء العدلي والإداري والمالي، ويحل محل المجلس الأعلى للقضاء، ويسمى "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" ومقره تونس العاصمة". وتم في هذا المرسوم إقصاء غير القضاة (محامين، عدول منفذين، جامعيين) من عضوية المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، علما وأن المجلس الأعلى للقضاء المنحل كان يضم في صفوفه عددا من المحامين والجامعيين وعدول التنفيذ سبق أن تم انتخابهم لتولي هذه العضوية. وسارع يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل، إلى رفض هذا المرسوم، حيث اعتبر في تصريح بثته اليوم إذاعة "موزاييك أف أم" المحلية التونسية، أن الرئيس قيس سعيد بإصداره هذا المرسوم الرئاسي يكون قد خالف أحكام الدستور. وقال إن الرئيس قيس سعيد "خالف أحكام الدستور بإرساء مجلس أعلى للقضاء معين خلافا لما تقتضيه أحكام الفصل 114 من الدستور، كما خالف الدستور في تمكين السلطة التنفيذية من التدخل في المسارات المهنية للقضاة". وأضاف أن المرسوم الرئاسي المتعلق بإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء "مخالف لأحكام الأمر 117 الذي استند عليه الرئيس قيس سعيد، باعتبار أنه يتعلق بالتدابير الاستثنائية للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهو من قبيل الإصلاحات السياسية عملا بأحكام الفصل 22 من الأمر المذكور والذي ينص على إجراء مشاورات واستشارات في ذلك والتشاركية في القرار وهذا لم يتم"، على حد قوله. ومن جهته، أكد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين التأكيد في بيان، على رفضه "تنصيب أي هيكل بديل عن المجلس الأعلى للقضاء المنحل بتركيبته المعروفة"، مجددا التأكيد في هذا الصدد، على أن المجلس المذكور هو "المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية". واعتبر أن حل المجلس الأعلى للقضاء بصفته مؤسسة دستورية مستقلة تسهر على حسن سير القضاء وتضمن مبدأ الفصل بين السلطات، يشكل تدخلا مباشرا في السلطة القضائية وإلغاء لضمانات وآليات استقلال القضاء وفقا للدستور والمعايير الدولية". وأعرب في المقابل، عن "رفضه المطلق المساس بمقتضى المراسيم بالبناء الدستوري للسلطة القضائية خارج إطار مبادئ الشرعية، والتأسيس لوضع يتعارض مع الدستور ومع مصلحة العدالة وحقوق المواطنين والضمانات الهيكلية والوظيفية المكفولة للقضاة". ومن جهته، قال جوهر بن مبارك، القيادي بحركة "مواطنون ضد الإنقلاب"، في تصريح نقلته عنه إذاعة "شمس أف ام" المحلية التونسية، إن المرسوم الصادر عن الرئيس قيس سعيد المتعلق بحل المجلس الأعلى للقضاء، هو مرسوم "باطل وغير شرعي". أما رضا بالحاج، المدير التنفيذي لحزب الأمل، فقد اعتبر في تصريح لإذاعة "أكسبرس أف ام" المحلية التونسية، أن حل المجلس الأعلى للقضاء، وإصدار مرسوم رئاسي يتعلق بإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء، يأتي بهدف الهيمنة على القضاء . يشار إلى أن الرئاسة التونسية كانت قد ذكرت في بيان نشرته فجر اليوم (الأحد) في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، قبل صدور المرسوم الرئاسي الجديد، أن الرئيس قيس سعيد أكد خلال اجتماعه مع رئيس الحكومة، نجلاء بودن، ووزيرة العدل ليلى جفال، على "احترامه لاستقلالية القضاء"، مشددا في هذا السياق، على أن "السيادة للشعب، وأن الفصل بين الوظائف هو لتحقيق التوازن بينها". ونقلت عنه قوله، إنه "...تم حل المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بآخر مؤقت لوضع حد لحالات الإفلات من العقاب، فالمحاسبة العادلة أمام قضاء عادل هو واجب مقدس إلى جانب أنه أحد المطالب المشروعة للشعب التونسي".
مشاركة :