اعتبر متابعون أن مضي السلطات التونسية في وتيرة الإصلاحات الاقتصادية على الرغم من الصعوبات الكثيرة سيجعلها محل ثقة أكبر من قبل المانحين الدوليين بعدما قرر البنك الدولي تقديم قرض للبلد الذي هو في أمسّ الحاجة إلى حزم إنقاذ عاجلة. وتضررت المالية العامة للبلاد جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية، ناهيك عن التداعيات الكارثية التي خلفتها الجائحة على مجمل النشاط الاقتصادي والتي تجلت أيضا في تدهور القدرة الشرائية للناس بشكل غير مسبوق. ويُنظر إلى الإجراءات التي يتبعها الرئيس قيس سعيد منذ الصيف الماضي على أنها اختبار حاسم لقدرة تونس على طرق أسواق الدين الخارجية حتى مع النظرة السلبية التي منحتها وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية للبلاد في الأشهر القليلة الماضية. وذكرت الحكومة في بيان على حسابها في فيسبوك الثلاثاء الماضي أن “البنك الدولي سيقرض تونس حوالي 400 مليون دولار لتمويل إصلاحات اجتماعية”. ويأتي ذلك بينما دخلت السلطات في محادثات متقدمة مع صندوق النقد حول إصلاحات لإنقاذ الاقتصاد المتعثر، في ظل مخاوف بشأن قدرة الدولة على الوفاء بالتزامات الدائنين. وقالت رئيسة الحكومة نجلاء بودن بعد اجتماع مع وفد من البنك الدولي إن “وقوف البنك الدولي إلى جانب تونس يؤكد ثقته العالية في مؤسسات الدولة واستعداده لتمويل الإصلاحات، وخاصة ما يهم الجانب الاجتماعي ودعم الفئات الضعيفة”. وتسعى تونس، التي تعاني ضائقة مالية نظرا لشلل معظم محركات النمو، للحصول على حزمة إنقاذ من المانحين الدوليين في مقابل إصلاحات اقتصادية تشمل تخفيضات في الإنفاق. نجلاء بودن: وقوف البنك إلى جانب تونس يؤكد ثقته في مؤسسات الدولة وقال فريد بالحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن “البنك مستعد لتقديم الأموال اللازمة لتونس لتنفيذ إصلاحات اقتصادية والتي ستكون لها انعكاسات على الجانب الاجتماعي”. وأضاف “ستكون هذه التمويلات متبوعة بمبالغ أخرى ستخصص لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير اللقاحات المضادة لفايروس كورونا، والدعم الصحي الضروري لتونس”. ويقول البنك الدولي وصندوق النقد ومانحون أجانب آخرون إن الإصلاحات الاقتصادية المنشودة، التي تشمل دعم الطاقة، ستحتاج إلى دعم كبير يشمل الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، الذي له دور مؤثر، حتى يمكن تأمين اتفاق. ويتوقع البنك أن يبلغ عجز الموازنة التونسية هذا العام نحو 5 في المئة نزولا من 7.6 في المئة العام الماضي، لكنه حذر من أنه سيعود للارتفاع في العام المقبل ليصل إلى 7 في المئة. وثمة مؤشرات تدل على أن تعافي الاقتصاد التونسي سيتباطأ هذا العام بعدما سجل نموا في 2021 بنحو 3 في المئة، وسط قلق متزايد من ارتفاع نسبة البطالة البالغة نحو 17.8 في المئة. كما أن هناك خشية من ارتفاع معدل الفقر الذي يدور في فلك 21 في المئة من تعداد سكان يصل إلى 11.8 مليون نسمة، مقابل 15.5 في المئة قبل الجائحة. وبعد أن تعثرت المفاوضات العام الماضي، تأمل تونس في اقتراض 4 مليارات دولار من صندوق النقد حتى يتسنى لها مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي كبلتها التجاذبات السياسية وزادت من أعبائها المشكلة الصحية المنجرة عن تفشي الجائحة. وكانت وزيرة المالية سهام البوغديري قد قالت في وقت سابق الشهر الجاري إن “تونس تأمل بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد في أبريل المقبل”. وبدأت تونس فعليا في مساعيها لتدارك أزمتها الاقتصادية الحادة عبر خطة أعلنت عنها الأسبوع الماضي تمتد حتى 2024 والتي يُتوقع أن تكون أحد مفاتيح مفاوضاتها مع صندوق النقد للحصول على قرض يمنحها متنفسا لكي تعالج الاختلال في توازناتها المالية. فريد بالحاج: مستعدون لتقديم الأموال اللازمة حتى تنفذ تونس إصلاحاتها وكشفت وزارة المالية في ورقة نشرتها على منصتها الإلكترونية عن تفاصيل خطة إصلاحية للسنوات الثلاث المقبلة تتمحور حول أربع أولويات تطال فاتورة الأجور ونظامي الدعم والضرائب وهيكلة الشركات المملوكة للدولة التي تعاني من أزمات مالية خانقة. ولئن كان توقيت إعلان الخطة متأخرا بالنظر إلى حجم التحديات المالية المتزايدة للبلد، إلا أن الخبراء قالوا إنها ساعدت في إرسال إشارات طمأنة للمانحين الدوليين بأن السلطات جادة في إدخال إصلاحات عميقة تخفف من أزمات البلاد تدريجيا. وتزايدت خشية المتابعين في الأشهر الماضية من دخول الاقتصاد التونسي في متاهة هو في غنى عنها مع انسداد آفاق التمويل حتى الآن لإعادة تحريك عجلات النمو المتعثر مما عمق المخاوف بشأن مستقبل البلاد بعد الغرق في التقييمات الدولية السلبية. ففي نوفمبر الماضي خفضت وكالة رايتنغ آند انفستمنت اليابانية تصنيف تونس الائتماني وأصول البنك المركزي التونسي إلى بي+ مع آفاق سلبية بعد أسابيع قليلة من تحذيرات وكالة فيتش من خطر تآكل أصول البنوك التونسية. وكانت فيتش قد خفضت في يوليو الماضي بعد وقت وجيز من التدابير التي اتخذها قيس سعيد تصنيف تونس طويل الأجل لمصدر العملات الأجنبية من بي إلى بي سالب مع نظرة مستقبلية سلبية. ويمثل الاقتراض الخارجي حوالي 60 في المئة من الدين العام، لكن السياسة النقدية الحذرة للمركزي ومحافظته على مستوى معين من احتياطي العملة الأجنبية قد تكون جدارا أمام احتمال حدوث اضطرابات في سداد الدين الخارجي على المدى القصير. وأكد محافظ المركزي مروان العباسي الشهر الماضي أن الاحتياطات النقدية لدى البنك بلغت نحو 11.2 مليار دولار بنهاية 2021 وهو أعلى مستوى لها منذ 2011 بفضل تحويلات المغتربين. وراكمت تونس حتى عام 2020 ديونا بلغت مستوى قياسيا يقدر بحوالي 33.8 مليار دولار، أي بارتفاع يناهز 11.3 في المئة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعني أنها اقتربت من 90 في المئة بعدما كانت عند نحو 37 في المئة في العام 2010. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :