كان كل من عمر الشريف وشكري سرحان ويوسف فخر الدين تجاوز الثلاثين سنة عندما قاموا بتمثيل فيلم لعاطف سالم عنوانه «إحنا التلامذة» سنة 1959. والشاب الحلو أحمد رمزي كان أصبح في مطلع الأربعينات عندما لعب بطولة «شباب مجنون جدا» لنيازي مصطفى سنة 1967. وإذا انتقلنا إلى الأدوار النسائية فإن وجود ممثلات تجاوزن سن الشباب في أدوار الفتيات اللواتي ما زلن يدرسن في الكلية ويهرعن إلى الـ«نينة» للبوح بمكنونات صدورهن العاطفية وكيف يشعرن بسهوم الحب الأولى وهي تدخل قلوبهن، فإن الأمثلة لا تنتهي. هذه الحالة مردّها بسيط: الممثل (ذكرا كان أو أنثى) الذي وصل إلى مستوى النجومية مطالب من قِبل صانعي السينما بالبقاء شابا جاذبا لأن الجمهور يحبه في سن وشكل ونوع أدوار معيّنة. هذه العناصر الثلاثة، السن والشكل ونوع الأدوار المعينة، هي ثالوث هرمي متصل لا يمكن الاستغناء عن أحد أضلعه. وفي حين أن كل ممثل يرضخ، كسواه من البشر، لعامل السن، فإن السعي لمحاربة هذا العامل كان ببساطة بالإبقاء على الأدوار ذاتها وطبيعة الأداء ذاته. أما بالنسبة للسن فتتدخل الكاميرا لكي تلتقط مشاهدها بعيدا عن وجه الممثل، ويتدخل مصمم الثياب ليقترح فستانا قصيرا هنا وقميصا ورديا هناك. أما مصمم الشعر فيضع رأس الممثل تحت يديه ويبدأ بطرش شعره باللون الأسود. وكثيرا ما نسي المخرج والممثل هذه الشروط غير المكتوبة فاقتربت الكاميرا من وجه الممثلة لتظهر تجعدا هنا، أو ترهلا هناك. أو لتكشف عن صبغة تكاد أن تسيح فوق الوجه أو عن حاجبين يبدوان كما لو أن أصل الممثل مريخي أو من كوكب آخر لا نعرفه. ذات مرّة في لبنان مطلع السبعينات تعرض أحد الأفلام المصرية التي كانت تصوّر هناك إلى تأخر دائم لأن الممثلة كانت تثابر في إصلاح ثغرات وجهها تحت أصابع الماكياج، وكلما انتهت تعيد محاولة بدأتها منذ الصباح لتغيير معالم وجهها بما يناسب الدور الذي تقوم به. في غمار ذلك، علينا ألا ننسى أن ستيوارت غرانجر وجون واين ومارلين مونرو وكاثرين أوهارا، وسواهم كثيرين، كانوا يخوضون المأزق ذاته حتى لما بعد الخمسين من أعمارهم. وغاري كوبر كان مستاء من شريكه في البطولة الممثل بيرت لانكاستر خلال تصوير فيلم «فيرا كروز» (1952) لأن كوبر كان بلغ حينها الحادية والخمسين من العمر بينما كان لانكاستر لا يزال في التاسعة والثلاثين. حقيقة أنهم نجوم حتّمت ذلك، مما يصح معه القول إن المشكلة تكمن في النجاح وليس في الفشل. فعندما كان المشاهد يشتري تذكرة الدخول لمشاهدة فيلم من بطولة فريد شوقي مثلا، فإنه يتوقع منه أن يمثل دور الأعزب الذي ما زال قادرا على ضرب الرجال وجذب النساء. حقيقة أنه بلغ من العمر مرحلة تجعل ذلك صعب التصديق لم تكن لتعني شيئا بالنسبة للجمهور السائد، وما كان على الممثل إلا أن ينصاع لأطول فترة ممكنة. أحد الأصدقاء عاد إلى القاهرة بعد عامين من الغياب بشعر أبيض. قال لي إن أول من رفضه على هذا النحو كان والدته: «بعد القبلات والدموع وغيرهما، نظرت إلى شعري وقالت بصوت آمر: ما هذا الشعر الأبيض؟ أريدك أن تصبغه حالا».. وهو امتثل! أو كما قال لي ممثل صديق ما عاد يظهر على الشاشة بعدما بلغ من العمر عتيا، لكنه أمضى الثمانينات وهو يلعب دور العاشق: «القرار لم يكن قراري.. ده الجمهور عاوز كده».
مشاركة :