تتوجه الحكومة الجزائرية إلى مراجعة آليات العمل النقابي في البلاد بغية إضفاء التنظيم وتلافي الفوضى السائدة، لكن فاعلين نقابيين يبدون مخاوفهم من الذهاب إلى تقييد الحريات المكتسبة من التحول الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي، خاصة في ظل سياسة الغلق الممنهج في مختلف الممارسات السياسية والإعلامية. وأكد وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الجزائري يوسف شرفة أن مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون الصادر العام 1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي سيعزز الحريات النقابية وينظمها ويؤكد حماية العمل النقابي. وأوضح شرفة لدى عرضه لمشروع تعديل هذا القانون في جلسة علنية بالمجلس الشعبي الوطني ترأسها رئيس المجلس إبراهيم بوغالي بحضور وزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة عزوار أن “مشروع هذا القانون هو ثمرة جهود جميع الفاعلين في عالم الشغل حيث يعزز الحريات النقابية وينظمها ويؤكد على حماية العمل النقابي ويشدد العقوبات على المخالفين لأحكامه”. يوسف شرفة: مشروع القانون يندرج في سياق الديناميكية الهادفة إلى توفير آليات قانونية لترسيخ أسس دولة الحق والقانون وأضاف “يندرج مشروع القانون في سياق الديناميكية الهادفة إلى توفير آليات قانونية لترسيخ أسس دولة الحق والقانون، وتعزيز ورشات الإصلاح والديمقراطية وتعزيز الحوار الاجتماعي والحريات الفردية والجماعية”. غير أن فاعلين وناشطين في المشهد النقابي أبدوا توجسهم من مشروع القانون الجديد، خاصة بعد التلميحات الصادرة في إحدى تصريحات الرئيس عبدالمجيد تبون حول “ضرورة الفصل بين العمل السياسي والنقابي”، في إشارة إلى هيمنة بعض القوى السياسية والأيديولوجية على نقابات ناشطة. وكانت نقابات مستقلة قد انحازت في وقت سابق لصالح الاحتجاجات السياسية، وظهر قياديوها في طليعة المظاهرات الشعبية المنتظمة تحت لواء الحراك الشعبي، وهو ما أعطى الانطباع بأن النقابات المذكورة تعد من روافد المعارضة الشعبية. وباستثناء ما يعرف بـ”النقابة المركزية” التاريخية المعروفة بقربها من توجهات السلطة حتى خلال حقبة الرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فإن باقي التنظيمات النقابية الناشطة أخذت مسافة من مختلف الحكومات المتعاقبة، ودخلت في العديد من المرات في تكتلات للضغط على القرارات الحكومية، خاصة خلال السنوات الأخيرة التي خيم عليها تراجع القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة وتوسع دائرة الفقر لدى مختلف الفئات الاجتماعية. ولفت وزير العمل في مداخلته أمام أعضاء البرلمان إلى أن “هذا المشروع يؤكد على حرية تأسيس المنظمات النقابية والانضمام أو الانتساب إليها، واحترام المبادئ والضمانات الهادفة إلى حماية ودعم الحريات النقابية بكل مظاهرها على المستوى المهني وذلك في حدود القانون المؤطر للعمل النقابي، وأن مشروع القانون يكفل حماية خاصة للمندوبين من أي مساس بحريتهم النقابية حتى يتسنى لهم أداء نشاطهم النقابي”. ولدى تطرقه إلى مضمون مشروع هذا القانون، أشار إلى تعديل أحكام بعض بنود القانون الساري بغرض تمكين المنظمات النقابية المسجلة سابقا من إنشاء فيدراليات واتحادات وكنفيدراليات، بغض النظر عن قطاع النشاط الذي ينتمي إليه أعضاؤها. وأشار إلى إدراج مفاهيم الفيدرالية والاتحاد والكنفيدرالية، حيث يشترط لتأسيس الفيدرالية أن تتكون من ثلاث منظمات نقابية مسجلة على الأقل للعمال أو للمستخدمين، وفيدراليتين على الأقل أو خمسة منظمات نقابية مسجلة على الأقل لتأسيس اتحاد أو كنفيدرالية نقابية للعمال أو المستخدمين. وأكد أن مشروع التعديل سيعطي “ديناميكية جديدة للمشهد النقابي في مجالي التشاور والحوار الاجتماعيين”. وتعكف وزارة الداخلية الجزائرية منذ عدة أشهر على مطابقة الفعاليات الحزبية والجمعياتية مع التشريعات الجديدة، وهي العملية التي أسفرت عن حل عدة أحزاب وجمعيات ناشطة، وهو ما تتخوف منه نقابات مستقلة تكون قد تلقت إشعارات بضرورة المطابقة. وفيما بررت الوزارة قرارها المستند إلى أحكام قضائية بعدم مطابقة تلك الأحزاب والجمعيات للأحكام السارية، إلا أن حزب الاتحاد الاشتراكي وجمعية “راج” صرحا بأن القرار هو “انتقام سياسي” بسبب المواقف المعارضة لتوجهات السلطة. نقابيون أبدوا توجسهم من مشروع قانون جديد تقول الحكومة الجزائرية إنه يهدف إلى مراجعة آليات العمل النقابي ولا يستبعد أن يطال نفس المصير بعض النقابات المستقلة للأسباب المذكورة، خاصة بعد تأخر البعض منها في الوفاء بمطابقة ملفاتها الإدارية في ظل الأوضاع الداخلية والتنظيمية التي تعيشها، لاسيما الشرط الذي يحدد نسبة 20 في المئة من الوعاء العمالي لفتح أي فرع نقابي أو تنظيم مؤتمراتها الوطنية. وشدد مشروع القانون الجديد على ما أسماه بـ”تعزيز حماية المندوبين النقابيين من التسريح التعسفي بسبب ممارستهم لنشاط نقابي، وتشديد العقوبات ضد المخالفين لتصبح أكثر ردعا في حالة عرقلة حرية ممارسة الحق النقابي أو المساس بحماية المندوبين النقابيين”. لكن يبقى القطاع الخاص والشركات الأجنبية العاملة في الجزائر أكبر عائق أمام تجسيد الحريات النقابية، حيث يجد ممثلو العمال صعوبات كبيرة في تنظيم أنفسهم داخل مواقع عملهم بسبب تضييق وضغط أصحاب العمل. وأكدت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني في تقريرها التمهيدي أن “العمل النقابي في الجزائر أصبح من الحقوق الأساسية المكرسة دستوريا”. وأوصت بضرورة “الإسراع في إعداد القانون المتعلق بالنشاط النقابي باعتباره ضرورة ملحة للتكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية”، فضلا عن “وضع آليات ناجعة تحمي العمل النقابي إلى جانب تفعيل دور مفتشية العمل”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :