على الرغم من انشغال العالم في الحرب الروسية الأوكرانية، لا يزال الاهتمام الأميركي بلبنان قائماً خصوصاً من بوابة ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، إذ تلقفت واشنطن المواقف الدبلوماسية اللبنانية المؤيدة للغرب ضد روسيا، بشكل إيجابي، مما أسهم في إعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي التقى السفيرة الأميركية دوروثي شيا قبل أيام، ومن ثم تلقى اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط فيكتوريا نولاند. التواصل الأميركي الواضح مع عون له جملة من الأهداف، أولها تثبيت الاستمرار الأميركي في الاهتمام بلبنان وإبقاء التواصل والتعاون مع الدولة اللبنانية، وهو ما ظهر في إدانة بيروت للاجتياح الروسي. ثانيها، إعادة تحريك ملف ترسيم الحدود، من خلال تسليم الرؤساء الثلاثة، عون، ورئيسَي البرلمان نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، رسالة خطية ورسمية من المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، تتضمن موقفاً أميركياً واضحاً حول ضرورة الاستفادة من الأوضاع العالمية للاستثمار في مجال الطاقة وبدء لبنان بعمليات التنقيب عن النفط، وهذه عملية يفترض أن تبدأ بعد إنجاز ترسيم الحدود. وتتضمن الرسالة ايضاً استعداداً أميركياً لمساعدة لبنان تقنياً ولوجستياً في مرحلة ما بعد إنجاز الترسيم لبدء عمليات الحفر والتنقيب ولو اقتضى ذلك تقدّم شركات أميركية للعمل في هذا المجال. كذلك فإن الرسالة تتضمن رسماً لخريطة المنطقة البحرية، وللخط الذي يقترح الأميركيون على لبنان اعتماده كمنطلق لعملية الترسيم، وهو يعتمد على الخطّ 23 بشكل متعرج، بحيث يكون حقل قانا كاملاً من حصة لبنان، ويُعتبر حقل كاريش من حصة إسرائيل. اقتراح كان قد حمله هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة لكنه ناقشه شفهياً، فطلب لبنان اقتراحاً مكتوباً بشكل رسمي وهو ما حصل، ويطالب الأميركيون بموقف لبناني موحد يضمن موافقة كل الأطراف على إنجاز عملية الترسيم، وإقرارها في مجلسي الوزراء والنواب، وهذا يعني حكماً موافقة حزب الله بشكل رسمي ولا لبس فيه، ويسعى الأميركيون من خلاله إلى تجنّب ما حصل بعد ترسيم الخطّ الأزرق براً في عام 2000 إذ في حينها لم يعترف حزب الله بعملية الترسيم ولا يزال يطالب بتحرير مزارع شبعا. يسعى عون إلى إنجاز ملف الترسيم وبدء عمليات التنقيب عن النفط في عهده، بينما مصادر أخرى معارضة لرئيس الجمهورية تؤكد أن لا ترسيم ولا تنقيب سيكون في عهد عون بسبب الانقسام السياسي، ولأن هذا الملف يرتبط بتطورات إقليمية ودولية لا يبدو أنها ستحسم في الفترة القليلة المتبقية من ولاية عون. لكن عون وصهره جبران باسيل كانا متفائلين بإمكانية الوصول إلى اتفاق، خصوصاً بعد المعلومات التي تم تسريبها عن لقاء باسيل بهوكشتاين. يوافق عون من حيث المبدأ على الترسيم، وهو يعتبر أن التفاوض جزء من صلاحياته، ولا يتنازل عنه لأحد وبعد إنجاز المفاوضات يفترض بالحكومة ومجلس النواب الموافقة. لذلك يسعى عون إلى تشكيل لجنة وزارية تضم أفرقاء مختلفين، على أن تضم ممثلين لرئاستي الجمهورية والحكومة، ووزارات الخارجية، الدفاع، الطاقة والأشغال العامة والنقل، لكن اللافت أن حزب الله أبلغ وزير الأشغال علي حمية وهو محسوب عليه برفض المشاركة في هذه اللجنة، لأنه لا يريد أن يكون جزءاً من التفاوض المباشر أو غير المباشر مع الأميركيين والإسرائيليين، وكذلك بالنسبة إلى نبيه بري. وتقول مصادر متابعة، إن حزب الله لا يريد أن يكون شريكاً في صياغة الحل كي لا يتهم فيما بعد بأنه قدّم تنازلاً، أما المعارضون للحزب فيعتبرون أنه لا يمكن أن يوافق على عملية الترسيم إلا بعد الوصول إلى اتفاق إقليمي شامل يتعلق بوضع الحزب في لبنان سياسياً ودستورياً، لذلك هو لن يتنازل عن هذه الورقة القوية حالياً قبل تبلور الوجهة الدولية.
مشاركة :