بيّنتُ في الحلقة الماضية أن بعض الفقهاء الذين أطلقوا وقيدوا ومنعوا ولاية المرأة في القضاء غضّوا الطرف عن الآيات القرآنية التي تمنح المرأة تلك الولاية (التوبة:71، النساء: 58، النمل:32، 33). ومن أدلة الذين أطلقوا ولايتها في القضاء: 1. القاعدة أنّ من يستطيع الفصل في قضايا الناس يكون صالحًا للقضاء، ولا يوجد دليل على استثناء المرأة من هذا الأصل. 2. أنّ الأنوثة لا شأن لها بتفهُّم أوجه النزاع وحجج المتنازعين والفصل في الخصومات. 3. أنّ المرأة يجوز أن تكون محتسبة، ويجمع بين الحسبة والقضاء أنّ كلًا منهما من الولايات العامّة، وقد ولَّى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء ولاية الحسبة في السوق. 4. أنّ المرأة لها الولاية في بيت زوجها، وهي راعية ومسؤولة عن رعيتها. والغريب أنّ الممانعين لولاية المرأة في القضاء ينفون صحة رواية تولية عمر بن الخطاب للشفاء العدوية ولاية الحسبة التي استند عليها ابن حزم في إطلاق ولايتها في القضاء، وهي نوع من أنواع القضاء، وكثير من المصادر ذكرت توليته للشفاء الحسبة، وكان يستشيرها، وأخذ بها ابن حزم، والأستاذ محمد عزة دروزة، والدكتور محمد علي الجندي الأستاذ بدار العلوم بالقاهرة في إطلاق ولايتها في القضاء والتي غض الطرف عنها الممانعون، واكتفوا بمقولة الإمام القرطبي (ت671هـ) إنّها مدسوسة دون أن يُثبت ذلك، والذي يستوقفنا إطلاق الحسن البصري ولاية المرأة في القضاء الذي ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب في المدينة عام (21هـ) فهو الأقرب إلى عهد عمر، وقد ولد وعاش في المدينة المنورة، وتربى بين كبار الصحابة رضوان الله عليهم، فلو وجد خلاف ما ذهب إليه لما أطلق ولايتها في القضاء، والغريب أنّ بعضهم يقول: لو ثبتت صحة الرواية، ففِعْلُ عمر لا يحتج به، مع أنّهم يحتجون بمقولة منسوبة لسيدنا عمر في التطليق لعدم الكفاءة في النسب «لأزوجن ذوات الأحساب من الأكفاء»! وفات على هؤلاء مراقبة السيدة سمراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها الأسواق في مكة، فقد أورد ابن عبدالبر في الاستيعاب أنّها أدركت الرسول عليه الصلاة والسّلام، وعمرت، وكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوطٍ كان معها. روى عنها أبوبلج جارية بن بلج. كما أورد الطبراني في الكبير ما ذُكر عن أبي بلج يحيى بن أبي سُليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك عليها درع غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط تُؤدِّب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. (الطبراني: المعجم الكبير 24/311، رقم (785).. قال الهيثمي رجاله ثقات فما ذكره الطبراني يؤكد ما ذكره ابن عبدالبر، ولكن الممانعين يرفضون رواية ابن عبدالبر بدعوى أنّها بلا سند، ويتجاهلون رواية الطبراني التي بها إسناد! للحديث صلة. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :