أتابع الحديث عن الروايات التي اعتمدها علماء الفرائض في التعصيب في الإرث.. ما ورد في ميراث البنتين: ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأبوداود وأحمد، عن عبداللّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبداللّه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع، بابنتيها من سعد إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحد شهيداً، وإنّ عمّهما أخذ مالهما فلم يدَع لهما مالاً، ولا تُنكحان إلاّ ولهما مال، قال: يقضي اللّه في ذلك، فنزلت آية الميراث فبعث رسول اللّه إلى عمّهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أُمّهما الثمن وما بقي فهو لك. (سنن الترمذي)، باب ما جاء في ميراث البنات رقم 2092: سنن ابن ماجة: باب فرائض الصلب رقم 272: سنن أبي داود: باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2891: ومسند أحمد: الحديث 14384.. هذه الرواية موضوعة للأسباب التالية: أولًا: سكوته عليه الصلاة والسلام عن استيلاء الأخ على أموال أخيه المتوفى، بقوله لأرملته (ارجعي فلعل الله سيقضي فيه)، وحاشا لرسول الله أن يسكت عن أمر كهذا. ثانيًا: يزعم أنّ النبي اعتبر قوله تعالى: (فوق اثنتين) يعني: (اثنتين فما فوق)، وهذا الفهم من النبي حجة عند من يرى هذا الرأي، لا بل إن صح يدحض كل رأي آخر، لولا أّننا أمام حكم يقول به الإمام ابن عباس، ذكره الفخر الرازي في تفسيره: «الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا لقوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك)، وكلمة «إن» في اللغة للاشتراط، أي أن أخذ الثلثين مشروط بكونهن فوق اثنتين، ثلاثاً فصاعداً، وذلك ينفي حصول الثلثين للبنتين».أهـ. وهذا حكم يُعارض تماماً حكم النبي في خبر سعد بن الربيع المزعوم. فهل يُعقل أن يجيز الإمام ابن عباس لنفسه أن يُخالف النبي في حكم أقرّه وقرّره؟.. وهل يُعقل أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يفهم مقصد الآية، وابن عباس يفهمه؟. ثالثًا: ابن كثير روى هذه الرواية وفيها: أنّ لسعد بن الربيع بنات وليس فيها ذِكر للأُم والعم. (جامع المسانيد والسنن، (حديث رقم24). رابعاً: أخرج أبوداود هذه الرواية في سننه، وفيها مكان بنتا سعد بن الربيع، بنتا ثابت بن قيس. (حديث رقم 2891). خامسًا: القول إنّ الآية (11) من سورة النساء نزلت بسبب هذه الحادثة، وهي لا تتحدث عن التعصيب، ولا ذِكْر ولا إشارة فيها إلى العم، فالاختلاف في سبب نزولها، يكشف عن عدم ضبط الراوي فتارة ينقل الواقعة في بنتي سعد بن الربيع، وأُخرى في بنتي ثابت بن قيس، وإن كان الصحيح هو الأوّل، لأنّ المقتول في غزوة أُحد، هو سعد بن الربيع، وأمّا ثابت بن قيس فقد استُشهد فـي يوم اليمامة. (السنن الكبرى: باب فرض الابنتين). للحديث صلة. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :