التبصّر في أحوال البشر وحلّ مشاكلهم، كانت إحدى مهام كاتب قصص الخيال العلمي (أي. ئي. فان فوغت)، ولأن الأفكار هي نتاج النشاط العقلي للإنسان عندما يواجه المشاكل، احتار فوغت في ظاهرة كانت منتشرة في وقته، حيث إنه في بداية الخمسينيات من هذا القرن انشغل بهذه الظاهرة وهي الأزواج الذين يمارسون علناً دوراً مزدوجاً، ويريدون من زوجاتهم إبداء الإخلاص التام في الوقت الذي لا يخفي قصص غرامه مع نساء أخريات، وكان الأمر الذي اهتم به فوغت هو كيف يبرر هؤلاء الرجال سلوكهم لأنفسهم؟ فقام بجمع قصص تدور حول هذا الموضوع فصُعِق من المدى الذي يستطيع فيه هؤلاء الرجال ممارسة التبرير والتضليل وإعطاء الحق لأنفسهم بممارسة هذا السلوك. وقد أطلق فوغت على هذا النمط من الرجال (الرجل الصائب) لأنه لن يعترف تحت أي ضغط أو ظرف بأنه مخطئ ويعتبر نفسه ملائكيّاً، وتعوّد أن يغذي الأنا لديه بسلطة غامضة يسانده فيها زوجته وعائلته لأنهم يعتمدون عليه كلياً، فالأسرة من زوجة وأبناء تصمُت أمام هذا السلوك إمّا طاعة وإمّا مجبورة، طيِّعة لأنها تعوّدت على نمط مجتمع ذكوري يقف بصف الرجل ويسانده، أو مجبورة لظروف اقتصادية أو عائلية، بينما هو يفعل ما يريد، وهذا التصرف يعكس لمسة ساديّة، فبعض الرجال يفضِّلون الممنوع على ما هو ملكهم شرعاً، وقد توصّل فوغت إلى أن أكثر التعليقات على هذا النوع من الرجال أنه رجلٌ (غير ناضج)، حيث إنه يحب أن يسير على هواه بلا قيود أو محاسبة مثل الطفل، وهذه الشخصية محاطة بكثير من الأنانية، ولو رجعنا إلى علم النفس الفرويدي لوجدنا أنه كتب مرةً عن الطفل "أنّ من شأنِه أن يُدمِّر العالم لو كانت لدية القوة للقيام بذلك". حيث إن الطفل يشترك مع (الرجل الصائب) في فكرة الأنانية والاستحواذ على كل شيء بدون أن يُعطي، وكلّما كبر الرجل تظل الرغبة تنتابه في السير على هواه، والتصرف بما تمليه عليه غرائزه، لذلك الخروج من مأزق هذه الشخصية هو تعلّم فن العطاء منذ الصغر، فالرجل في هذه المرحلة أشبه بالقمر في ربعه الأخير مبهمٌ غير مكتملٍ وغامضٍ، ومنذ الخمسينيّات إلى حد الآن تحوّل الرجل الغربي تحولات كبيرة في فكره وسلوكه حيث ستين عاماً تفصل بين (نظرية الرجل الصائب) والرجل المشارك في الحياة الآن. إن مرحلة النضج لا تأتي اعتباطاً هي نتاج فكر وثقافة وسلوك للفرد والبيئة التي يعيش فيها، فالرجل الصائب في الماضي لم يعد صائباً الآن، لأن أفكاره صُوِّبت تجاه المرأة وتجاه وعيه بحقيقة حقوقه التي له والتي عليه من قِبل الأسرة والقانون والمجتمع، ولكن لا نستطيع تعميم هذه الشخصية غير الناضجة في مجتمعات اليوم قد يكون ارتفاع منسوب الوعي بالإنسان كقيمة ثم نوع أصبح أكثر من ذي قبل، وإيمان بعض الرجال بذواتهم وهوسهم بها، وتجسيد صراعاتهم ومشاكلهم الداخلية على شكل نزوات، بدأت تقل في عصر أصبحت المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة مطلباً حضارياً تكفله القوانين، وتقرّه الأديان السماوية، يقول نيتشه: ينضج الرجل إن استطاع أن يلعب بجدية الأطفال.
مشاركة :