يقف اللبناني إيهاب معلوف في كشك "دار نلسون للنشر" اللبنانية بمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، ويختار بحرص كتابين باللغة العربية من ضمن دائرة اهتماماته بالقراءة. وقال الرجل البالغ من العمر (33 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنه اختار الكتابين بعناية حتى لا يندم على خياره لاحقا بعدما دفع مقابلهما 550 ألف ليرة لبنانية (27.5 دولار أمريكي) وهو مبلغ كبير مقارنة براتبه المتواضع. كذلك قالت الشابة اللبنانية رنا مهاوج إنها اشترت رواية باللغة الإنجليزية مقابل 200 ألف ليرة لبنانية (10 دولارات)، وهو ثمن باهظ للغاية مقارنة بأسعار الكتب قبل انهيار العملة المحلية. وقالت رنا لـ ((شينخوا)) "أشعر بحزن شديد لأن الأزمة الاقتصادية قد تمنعني في مرحلة ما من شراء جميع الكتب التي أريدها وتحرمني من هوايتي المفضلة في القراءة". ويمر لبنان بأزمة اقتصادية ومالية هي الأسوأ في تاريخه، وقد صنفها البنك الدولي بين الأزمات الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الـ 19، إضافة إلى أزمة كورونا وتداعيات انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020. وأدت الأزمة وتداعياتها إلى انهيار العملة المحلية بنسبة تزيد على 90 % وأوقعت 82 % من السكان في هوة الفقر، وفقا للأمم المتحدة، مما اضطر اللبنانيين إلى تركيز نفقاتهم على الاحتياجات الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء والتعليم. وأثار تدهور الأوضاع المعيشية في لبنان مخاوف كبيرة بين الناشرين المشاركين في الدورة 63 من المعرض التي انطلقت في الثالث من مارس الجاري وتستمر حتى 13 منه، إذ قال بعضهم لـ ((شينخوا)) إن الطلب على الكتب انخفض بنسبة تصل إلى 70 % في أعقاب الأزمة. وقال صاحب ومدير دار "نلسون" سليمان بختي ، لـ ((شينخوا)) "نحن قلقون للغاية بشأن قدرة الناس على شراء الكتب، وهذا هو السبب في أننا نقدم حسومات تشجيعية تصل إلى 60 % في المعرض". وأشار إلى أن "النادي الثقافي العربي"، الذي ينظم المعرض، قام بدوره بتأجير الأكشاك للناشرين بأسعار مخفضة لتشجيعهم على تقديم تخفيضات للعملاء والقراء. وأوضح أن ارتفاع أسعار الكتب يرجع إلى ارتفاع أسعار مستلزمات النشر والطباعة من أحبار وأوراق وغيرها من المواد المطلوبة التي يدفع ثمنها بالدولار في وقت يعمد الناشرون إلى بيع كتبهم بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف الدولار البالغ في السوق الموازي 20 ألف ليرة. وقال صاحب دار نشر ومكتبة "بيسان" اللبنانية عيسى أحوش لـ ((شينخوا)) إنه لاحظ انخفاضا كبيرا في مبيعات الكتب في مكتبته، مستبعدا أن يكون الطلب على الكتب جيدا في دورة المعرض الحالية. وأضاف "لا أتوقع الكثير من الطلب لكن مشاركتي هي شكل من أشكال الإعلان لمكتبتي، كما أنها دعم للناس لتوفير بعض الكتب للقراء بأسعار جيدة لأنه يجب أن نساعد بعضنا البعض خلال هذه الأوقات". وكان المعرض توقف اجباريا خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب التوترات السياسية عام 2019، ثم بسبب جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى تدمير أحياء عدة في بيروت وبينها منطقة "سي سايد أرينا" الموقع الدائم للمعرض. وقال فادي تميم أحد المشاركين في تنظيم المعرض ومسؤول العلاقات العامة لـ ((شينخوا))، إنه تم إعادة تأهيل 4 آلاف متر مربع فقط من أصل 10 آلاف متر مربع من المنشأة، مما أجبر "النادي الثقافي العربي" على استضافة 90 ناشرا مقارنة بأكثر من 200 في الماضي. وشدد على أهمية هذا الحدث الذي يظهر أن لبنان كان وسيظل على الخارطة الثقافية وأن بيروت قادرة على النهوض من جديد. وأكد الناشرون الذين قابلتهم ((شينخوا)) أنهم حريصون على المشاركة في المعرض على الرغم من تدهور الأوضاع في البلاد لإعطاء بصيص أمل للشعب اللبناني. وقال عيسى أحوش إنه "من المهم استضافة مثل هذه الفعاليات بعد سنوات من الجفاف الفكري والثقافي في البلاد". وأضاف "مشاكلنا في البلد لن تنتهي في غضون شهر أو شهرين ويجب أن نستأنف مثل هذه الأنشطة بغض النظر عن الوضع". فيما قال سليمان بختي بدوره إن "المعرض يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية للبلاد، كما يعزز الحوار والتواصل بين الناس". وكان معرض بيروت العربي الدولي للكتاب قد نظم للمرة الأولى في بيروت عام 1956، وترافق دوراته برامج ثقافية وسلسلة من الفعاليات والندوات الثقافية.
مشاركة :