في الباحة الخارجية لمنزل الأربعينية اللبنانية جوليا حداد في بلدة راشيا شرق جنوب لبنان، تفوح رائحة حلوى المعمول الشهية، التي تنشغل ربات البيوت بتحضيرها كعادة تقليدية موروثة تواكب منذ القدم احتفالات عيد الفصح في لبنان. -- عادات موروثة وغالبا ما تنشغل السيدة حداد في مثل هذه الأيام من كل عام مع حلول عيد الفصح، وهو أكبر الأعياد لدى المسيحيين، بإعداد قطع كعك المعمول المحشوة بالفستق والجوز والتمر بالطريقة القديمة الموروثة عن الأجداد. وقالت ربة المنزل اللبنانية، وهي تقوم بتسوية الكعك داخل فرن متوسط الحجم يعمل بالطاقة الكهربائية لوكالة أنباء ((شينخوا)) "منذ القدم وعلى غرار الكثير من نساء لبنان نتعاون في هذا العيد كعائلة أو كجيران لتحضير المعمول في منازلنا ليكون من صنع أيادينا". وأضافت "هذه العادة موروثة عن الأجداد، بحيث لازلنا نتبع طريقة التحضير والمواد والمقادير والمكونات ذاتها التي كانت معتمدة قديما". ويعتبر تحضير الكعك في المنزل بدلا من شرائه من المتاجر في هذه المناسبة "بركة على المنزل وأصحابه"، وفق حداد. وتابعت "أن هذه الحلوى تعتبر رمزا للفصح وخلاصا للإنسان وتجددا للحياة". وأوضحت حداد أن "تحضير المعمول وسلق وتلوين البيض وتفقيسه عادات وتقاليد متوارثة لدى المسيحيين، كما أن نسبة كبيرة من المسلمين في لبنان لا يتخلون عنها مهما تفاقمت الضغوطات الإقتصادية وتصاعدت التوترات العسكرية الحدودية". وتشهد الحدود بين لبنان وإسرائيل إطلاق نار وقصفا متبادلا بين حزب الله وفصائل مسلحة من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى منذ اندلاع الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، ما دفع عشرات الآلاف من سكان البلدات الحدودية إلى النزوح نحو مناطق أخرى داخل البلاد. ولم تثن هذه الظروف ربة المنزل اللبنانية جورجيت حنا عن ممارسة عاداتها في عيد الفصح، خاصة تلوين البيض المسلوق، الذي توزعه عادة على أولادها والمقربين منها صبيحة العيد. وقالت حنا لـ(شينخوا) "إن تحضير المعمول وسلق البيض وتلوينه في الفصح رمز لتجدد الحياة". وتابعت "أن تلوين البيض بحد ذاته فن جميل، إذ تتنافس نساء الحي في إظهار براعتهن في اختيار الألوان وتنسيقها أو رسم أشكال متعددة على البيض". ورغم وجود الكثير من الملصقات في الأسواق المخصصة لتزيين البيض، تلجأ بعض النساء إلى الاستعانة بأوراق الشجر أو أوراق البصل خلال سلق البيض لتأخذ مع نضوجها ألوان هذه الأوراق، وفق السيدة حنا. وأضافت أن "البيض في كل الحضارات يعني تجديد الحياة والخصوبة، وفي عيد الفصح يعني ولادة البشرية من جديد". وبالمناسبة أقيم مهرجان لـ"تفقيس البيض" في بلدة ميمس شرق جنوب لبنان شاركت فيه وفود من كافة المناطق اللبنانية. وتركزت نشاطات المهرجان بشكل خاص على "تفقيس البيض" المسلوق والملون، وهي عادة يتم فيها إقامة مباريات مفاقسة فردية وجماعية يفوز فيها من تصمد بيضته المسلوقة دون أن تنكسر. ووصفت الشابة الجامعية نوال حمدان "مهرجان تفقيس البيض بالعيد الجميل والمناسبة الجامعة، إذ يعم الفرح جميع المشاركين كباراً وصغارا والذين يتنافسون في تفقيس البيض وتناوله بشكل جماعي". -- حمل ثقيل وفي حين باتت أيام عيد الفصح فترة رواج لأصحاب مزارع الدجاج والبيض، إلا أن ثمة من يرى أن تقاليدها وعاداتها أصبحت حملاً ثقيلاً على اللبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية في البلاد. وقال المزارع اللبناني حسان فياض، وهو صاحب مزرعة دجاج في القطاع الشرقي من جنوب لبنان إن "عيد الفصح بات المناسبة الفضلى لأصحاب المزارع، الذين يبدأون قبل عدة أسابيع بتجميع البيض وسط كراتين خاصة". وتابع "أن الطلب على البيض ارتفع بشكل غير مسبوق، إذ وصل سعر الكرتونة سعة 12 بيضة لحوالي 250 ألف ليرة (نحو 3 دولارات أمريكية) بعدما كان السعر لا يتجاوز الدولار الواحد". أما في ما يخص التلوين الصناعي للبيض، قال فياض إن "سعر علبة التلوين نحو 200 ألف ليرة يضاف إليها بعض الإكسسوارات المعدة للتزيين تجاوز سعرها 500 ألف ليرة حوالي (8 دولارات) تكفي لتزيين حوالي 25 بيضة فقط". لكنه أشار إلى أن نسبة مقبولة من اللبنانيين مازالت تلجأ إلى التلوين الطبيعي للبيض عبر استعمال أوراق الخضار أو الشجر للحصول على لون محدد، مشيرا إلى "أن قشر البصل يعطي اللون البني، والشمندر يعطي اللون الزهري والبنفسجي، وورق شجر اللوز يعطي اللون الأصفر المائل للأخضر". ورغم حرص اللبنانيين على فرحة العيد وعاداته، إلا أن اللبناني سامر أبو نوفل، وهو رب عائلة نازح من محور بنت جبيل إلى بلدة حاصبيا بجنوب لبنان، يرى أنها باتت "حملا ثقيلا". وقال أبو نوفل لـ(شينخوا) "في هذه الفترة ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والتوترات عند حدود لبنان الجنوبية باتت عادات الفصح التقليدية حملاً ثقيلاً على اللبنانيين، الذين يكافحون قدر الإمكان للحفاظ عليها وعدم التخلي عنها حرصا على فرحة العيد ورونقه". وأضاف "أن تكلفة تحضير المعمول مع ارتفاع أسعار المواد العائدة له، إضافة لشراء كرتونة البيض وسلقه وتلوينه هم على رب العائلة يحسب له ألف حساب". وتابع أنه "لم يعد بمقدور نسبة كبيرة من اللبنانيين، خاصة النازحين منهم الذين دمرت منازلهم وخسروا أرزاقهم ويعيشون في حالة من العوز والفقر تأمين هذه الحاجيات بسهولة". وأمام هذا الواقع باتت التقاليد والعادات غير متاحة للعديد من الناس، ولكن على الرغم من ذلك يسعى اللبنانيون للحفاظ عليها بالرغم من الأجواء السوداوية التي تخيّم على حياتهم اليومية، بحسب أبو نوفل. ويعاني لبنان منذ نهاية عام 2019 من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث. ورغم الأزمة، تقول الشابة الجامعية نوال حمدان إن "الفصح عبارة عن ولادة جديدة للإنسان ... وعيش حياة أفضل، فليكن هذا العيد زمن قيامة حقيقية لشعب لبناني لا يستحق إلا الفرح ولبلد لا يستأهل إلا حسن الحياة".
مشاركة :