تحقيق إخباري: المقايضة طريقة حياة جديدة فرضتها الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا

  • 3/24/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المقايضة أسلوب قديم، جديد، استخدمه الأجداد منذ عدة عقود ماضية، واليوم يعود هذا النمط من التعامل إلى الحياة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في سوريا وندرة النقود لديهم، بسبب الحرب الصعبة التي مرت عليها، والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، فكانت المقايضة هي الحل الأجدى لدى بعض الأسر التي أحبت أن تتبادل السلع مع بعضها البعض بطريقة تحقق لهم المنفعة المشتركة وتحل مشاكلهم الاقتصادية. وتعمل المقايضة على تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام المال، وهي عادة ما تكون ثنائية ولكن قد تكون أيضاً متعددة الأطراف، حيث تحل مكان المال كوسيلة للتبادل في أوقات الأزمات النقدية، عندما تكون العملة إما غير مستقرة أو حتى غير متوفرة لإجراء التجارة، وقد تم تطبيق المقايضة بكثرة، منتصف القرن الماضي وما قبل في الأرياف السورية. وانتشر أسلوب المقايضة في محافظة السويداء (جنوب سوريا) ذات الغالبية من طائفة المسلمين الموحدين الدروز، منذ مدة وجيزة، ولاقت هذه المبادرة استحسانا لدى الناس الأمر الذي جعلهم يتبادلون السلع بشكل سلس، ويتغلبون على قلة النقود بهذه الطريقة القديمة الجديدة التي فرضتها ظروف الحياة الصعبة. وقالت الدكتورة ربيعة زحلان المسئولة عن مبادرة "معا للاكتفاء الذاتي" لوكالة أنباء ((شينخوا)) "عندما بدأنا بفكرة مبادرة (معا للاكتفاء الذاتي) عبر دعم مشاريع منزلية صغيرة منذ عام ونص تقريبا، وبعد ان اصبحت هذه المشاريع تحقق الاكتفاء لإصحابها ببعض المنتجات كان لابد من البحث عن أسلوب لتسويق الفائض عنها"، مضيفة "من هنا جاءت فكرة المقايضة ما بين الأسرة صاحبة تلك المشاريع الصغيرة المنتجة مثلا المكتفي من مادة زيت الزيتون، ممكن أن يقاض على قمح، والمكتفي من مادة العسل ممكن يبادلها مع المنظفات وهكذا". وأوضحت الدكتورة زحلان أن فكرة المقايضة لاقت رواجا واستحسانا لدى الناس، معربة عن سعادتها بأن هناك أصحاب بعض المشاريع الاستثمارية رغبت بالمشاركة وطالبت بالدخول على خط المقايضة، قائلين إن الأسر التي لا تمتلك نقودا ممكن أن نأخذ منهم مؤون منزلية مثل المربيات وصناعة المؤون المنزلية المتقنة والموجودة عن هذه الأسر وتستبدلها بالبضائع الموجودة في تلك المحلات. وأضافت زحلان أن "فكرة المقايضة هي فكرة قديم، وليست جديد، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد هي التي اعادته للحياة من جديد"، مشيرة إلى أن الاجداد كانوا يستبدلون البيض مثلا بحلاوة، مبينة أنه عندما توفرت العملة النقدية بات التعامل أسهل، بحيث يشتري كل شخص كل ما يريده بشكل مباشر، ولكن الضائقة الاقتصادية الحالية التي فرضتها العقوبات الغربية على البلد دفعت البعض للجوء إلى هذا الأسلوب. وأشارت إلى أن فكرة المقايضة هي بمكان ما "هي حل ممكن أن تساعد الأسر على تأمين احتياجاتهم، وحتى أصحاب المحلات الكبيرة وبسبب احجام الناس عن الشراء قررت أن تقبل بالمقايضة وهذا حل جيد". وأملت زحلان أن تبقى فكرة المقايضة قائمة حتى وان تحسنت أحوال البلاد اقتصاديا، لانها، حسب رأيها، تلغي الهامش الربحي للتجار، وهي فكرة داعمة للمنتج والفلاح بأن معا، بحيث يبيع الفلاح منتجه بالسعر المناسب عبر المقايضة بسلع أخرى يحتاجها وبالتالي، في هذه العملية الكل رابح، ولا يوجد خسارة. ولم تقتصر فكرة المقايضة على المنتجات فقط وانما توسعت لتصل إلى دعم مهني مثل إعطاء دروس مقابل سلع معينة، بهدف تسهيل سبل الحياة وتبسيط الإجراءات. وقالت زحلان إن "هناك مدرسين دخلوا أيضا على خط المقايضة فكان الدعم مهني، وليس منتجات، مثل مدرس لغة إنجليزية قبل بمبدأ المقايضة واراد ان يعطي دروسا للطلاب مقابل سلع معنية"، مشيرة إلى أن هذا الشيء جيد، ومؤشر إيجابي على تفاعل الناس مع الفكرة. من جانبه، عبرت المهندسة الزراعية فاتنة النمر عن سعادتها بالتعامل على مبدأ المقايضة، مبينة أن هذا الأسلوب فرضته ظروف الحياة الصعبة. وقالت المهندسة فاتنة لوكالة ((شينخوا)) إن "المقايضة فكرة أحببتها، وانطلقت من خلال اشخاص عملوا على مشاريع الاكتفاء الذاتي الذين اثبتوا انهم يعملون على تنمية المجتمع المحلي وتعزيز ثقافة الاعتماد على الذات"، مؤكدة أن هذه الفكرة "حاليا تحل كثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بحكم أن هناك اشخاصا يمتلكون منتجات ذات جودة عالية ولديهم فائض، ومستخرجة من مشاريع زراعية صغيرة، ولكن بحكم قلة النقود لم تستطيع بيعها لتحصل على السيولة النقدية، ومن هنا كانت فكرة المقايضة هي الحل لاستبدال منتج بمنتج". وأضافت فاتنة "أقوم بإنتاج مادة العسل من مناحلنا، وهو منتج ذا جودة ممتازة استطيع أن اقايضه بمادة انا احتاجها، مثل زيت الزيتون، واذا هذا المنتج موجود عن شخص آخر فبإمكاني أن استبدل العسل بزيت الزيتون"، مؤكدة أن كل كيلو عسل يقابله 2 كيلو ونصف من زيت الزيتون، مشيرة إلى أن هناك فتاة من مدينة السويداء رغبت بمبادلة العسل مع زيت الزيتون. وحثت المهندسة الزراعية فاتنة على انتشار هذا الأسلوب بشكل واسع بين أصحاب المشاريع الصغيرة، لان التسويق هو الخطوة الأصعب على الفلاح، قائلة " اشجع على انتشار فكرة المقايضة وأن يحصل كل شخص على ما يريده من خلال تبادل السلع بأسلوب سلس ومريح خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة النقود فأنت تحصل على منتج جيد بسعر جيد دون ربح". وقالت إحدى السيدات التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها "ليس كل من قام بالمقايضة بالضرورة ان يكون محتاجا وليس بالضرورة أن يكون مكتفيا، ببساطة الجميع على اختلاف مستوياتهم المعيشية يستطيعون الاستفادة من مبدأ المقايضة وهي ليست عيبا أو حراما أو امرا محرجا". وعبر عدد من المواطنين عن استحسانهم لفكرة المقايضة التي تعتبر أسلوب أو نمط حياة، فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة على الناس، وغلاء الأسعار، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، مؤكدين أن هذا الأمر مناسبا في الوقت الحالي، ويحل بعض القضايا الاقتصادية لغالبية الأسر. وقال أبو شاهر، وهو فلاح من ريف السويداء الجنوبي الشرقي لـ ((شينخوا)) "عندي فائض من مادة القمح، واحتاج إلى عدة سلع أخرى"، موضحا أنه عندما سمع بهذه المبادرة قرر أن يشارك منتجه مع من يحتاج القمح، ليستبدله بالمنظفات. وأضاف "فكرة رائعة وتستحق ان تنتشر على نطاق واسع".

مشاركة :